ليس فيه (قَدْ) ولا اللَّام.
فصار جوابُ القَسَم إذا كان فِعْلًا ماضِيًا جاز فيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ: أن يَقتَرِن باللَّام و (قَدْ)، أن يَقتَرِن بـ (قد)، أن تُحذَف منه اللَّام و (قَدْ)، لكن لا تُحذَف اللَّام ولا تُحذَف (قد) في الغالِب إلاَّ إذا طال القَسَم، أمَّا إذا لم يَطُلْ فإنها لا تُحذَف، فإن قُلْتَ: (والله لَقَدْ قام زيدٌ)، فهذا صحيح، وهذا هو الأصل، (والله قَدْ قام زيدٌ)، هذا أيضًا صحيح حَذَفْنا اللَّامَ، و (الله قامَ زيدٌ) هذا أيضًا صحيح حذَفْنا منه اللَّامَ و (قَدْ).
وقوله تعالى: ﴿آتَيْنَا﴾ بمَعنَى: أَعطَيْنا، وهي تَنصِب مَفعولين ليس أَصلُهما المُبتَدَأ والخَبر، وكُلُّ فِعْل يَنصِب مَفعولين ليس أَصلُهما المُبتَدَأَ والخَبرَ يُسمَّى مِن (بابِ أَعطَى وكَسَا)، فهُنا: ﴿آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾، ﴿دَاوُودَ﴾ المَفعول الأَوَّل، و ﴿فَضْلًا﴾ المَفعولُ الثاني، ولا يُمكِن أن يَكون هذا مُبتَدَأً وخَبَرًا؛ فلو قُلْتَ: (داودُ فَضْلٌ) فإنه لا يَصلُح، ويُقال: (أتَيْنا) ولكنها يَختَلِف مَعناها عن مَعنَى ﴿آتَيْنَا﴾، بل مَعنَى ﴿آتَيْنَا﴾: جِئْنا، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٥٢]، وقال تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] أي: جاء أَمْر الله تعالى.
وقوله تعالى: ﴿دَاوُودَ﴾ هو أَحَدُ أَنبياءِ بَني إِسرائيلَ عَلَيهِم السَّلَامُ، وهو بعدَ مُوسى قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦]، وفي القِصَّة أن دَاودَ كان مِنهم، إِذَنْ فهو بعد مُوسى، وهو نَبيٌّ من الأَنْبياء، وقد أَنكَرَتِ اليَهود -لَعْنةُ الله عليهم- كَوْنَه نَبِيًّا، ووَصَفوه بأنه مَلِك، وقد كذَبوا في ذلك، فإنه كان نَبِيًّا من أنبياء الله تعالى الذين يَجِب علينا أن نُؤمِن بهم، ولا يَتِمُّ إيمانُنا إلاَّ بالإيمان بهم؛ لأنَّ أَرْكان الإيمان كما نَعلَم: