كان في خِلال دقائِقَ قليلةٍ يَلين هذا الحديدُ كما تَشاءُ. فيَرَى بعضُ العُلَماءِ رَحِمَهُم اللهُ أنَّ المُراد من تَلْيِين الحديد لداوُدَ عَلَيْهِ السَّلام تَيسير
الأسباب التي يُسرِع بها لِينه.
ولكن بعض أهل العِلْم رَحَمَهُم اللهُ يَقول: إن الله تعالى أَلانَ له الحديدَ بغير سبَبٍ، بل بقُدْرة الله، وجعَلَ الله تعالى ذلك آيةً له؛ كما جعَلَ الله عصا مُوسى إذا نزَلَتْ في الأرض كانت حيَّةً، وإذا رَفَعها صارت عَصًا في آنٍ واحِدٍ وفي لحظة واحِدة، فالله تعالى على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، والذي جعَل الحديد صُلْبًا قادِرٌ على أن يَجعَله لَيِّنًا.
وعندي أن هذا أقربُ إلى المعنى، أوَّلاً: لأنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ﴾ فجَعَل التَّليين مُضافًا إليه؛ إشارةً إلى أن لينَ هذا الحديدِ بمُجرَّد القُدْرة، وكونُنا نَقولُ: إن هذا بأسبابٍ عادِية لكنها يُسِّرَت له. هذا خِلاف ظاهِر الآية، ثُم لو قُلْنا بهذا القولِ هل تَكون هذه آيةً له؟
الجوابُ: لا؛ لأن كل مَن تَيسَّر له أسبابُ إِلانةِ الحديد أَلانَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له الحديدَ.
فأَلانَ الله تعالى له الحديدَ حتى صار بيَدِه مِثْلَ العَجين يَقدِر على أن يُدوِّره، على أن يَجعَله دقيقًا، على أن يَجعَله غَليظًا حَسْبما يُريد؛ ولهذا قال تعالى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾، هذه هي الحِكْمة من كون الله تعالى أَلانَ له الحديدَ أن يَعمَل منه الدُّروع للمُجاهِدين في سبيل الله تعالى.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [وَقُلْنَا ﴿أَنِ اعْمَلْ﴾] أمَّا ﴿أَنِ﴾ مَصدرية عُرِف عامِلُها، والتَّقديرُ: [وَقُلْنَا] ﴿أَنِ اعْمَلْ﴾] أي: بـ (أَنِ اعْمَلْ) أَيْ: بالعمَل، ويُحتَمَل أن تَكون (أَنْ) تَفسيريةً؛ وأن نُقدِّر المحذوف بـ (أَوْحَيْنا) و (أَوْحَيْنا إليه أنِ اعْمَلْ)؛ لأنَّ (أَن)