تَقديم المَعمول يَدُلُّ على الحَصْر، فصار الله تعالى بَصيرًا بما يَعمَلون من دون غيرهِ، مع أنه بَصير بكُلِّ شيءٍ، فما هو السبَبُ؟
الجوابُ: السبَب في ذلك: التقديمُ، حيث جاء بصيغة الحَصْر للرَّدْع عن المُخالَفة، كأنَّه لو لم يَكُن الله تعالى بَصيرًا بالشيء لكان بَصيرًا بأعمالكم، فلمَّا كان الإنسان قد يَقول: إن الله تعالى لا يُبصِر عمَلي، جعَل الله تعالى الصِّيغة دالَّةً بظاهِرها على الحصْر؛ حتى لا يَدَّعيَ مُدَّعٍ أنَّ الله تعالى ليس عالمًا بعمَله، هذا من وَجهٍ، ومن جِهة أُخرى لمُناسبة فواصِل الآيات.
من فوائد الآيتين الكريمتين:
الفائِدةُ الأُوْلَى: بيان مِنَّة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على داوُدَ عَلَيهِ السَّلام؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾.
الفائِدةُ الثَّانِيَةُ: عِناية الله تعالى ببَيان هذا الفَضْلِ، حيث أكَّده بالقَسَم واللَّام و (قَدْ).
الفائِدةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ هذا الفَضْلَ فَضْلٌ عظيمٌ؛ لأنَّ الله تعالى أَضافَه إليه بقوله: ﴿مِنَّا فَضْلًا﴾، والمُضاف إلى العظيم يَكون عظيمًا، ونَظيرُ ذلك الدُّعاءُ الذي علَّمه النبيُّ - ﷺ - أبا بَكْرٍ - رضي الله عنه -: "رَبِّ اغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ" (١).
الفائِدةُ الرَّابِعَةُ: تَوجيهُ الخِطاب إلى الجَماد من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لقوله تَعالى: ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾.

(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، رقم (٨٣٤)، ومسلم: كتاب الذكر، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، رقم (٢٧٠٥)، من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.


الصفحة التالية
Icon