الفائِدةُ الخَامِسَةُ: أن الجَماد يُحِسُّ بخِطاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ووَجْهُ ذلك: لولا أنه يُحِسُّ لكان تَوْجيهُ الخِطاب إليه عبَثًا؛ والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنزَّهٌ عن العَبَث في أَقْواله وأَفْعاله، ويَدُلُّ على أنه يُحِسُّ بذلك أنها أَوَّبَتْ معه ورجَّعت.
الفائِدةُ السَّادِسةُ: أن من فَضائِل داوُدَ عَلَيْهِ السَّلام أنَّ الله تعالى أَمَر الجِبال أن تُسبِّح معه، بأن تُرجِّعَ معه التَّسبيح وقِراءة الزَّبور هي والطيرُ.
وهلِ الأَمْرُ في قوله تعالى: ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ أَمْرٌ كونيٌّ أو أمرٌ شَرْعيٌّ؟
الجوابُ: أنه يَحتَمِل المَعنيَيْن فإذا نظَرْت إلى أنها مَأمورةٌ بعِبادةٍ قُلْتَ: إن هذا أمرٌ شَرْعيٌّ. وإذا نظَرْت إلى أن هذه الجِبالَ لو فُرِض أنها عصَتْ هل تُعاقَبُ؟
الجوابُ: الله تعالى أَعلَمُ، ربما تُعاقَب وربما لا تُعاقَب؛ لأنّه ليس لها عَقْلٌ تُدرِك به كما يُدرِك بنو آدَمَ، قُلْت: إنه أَمْر كَوْنيٌّ، وللتَّخَلُّص من هَذَيْن الاحتِمالَيْن نَقول: إنَّ الله تعالى أمَرَ الجِبال أن تُرجع معه. ولا نَقول: أَمْرًا كونِيًّا ولا أَمْرًا شَرْعيًّا.
الفائِدةُ السَّابِعَةُ: ظُهور آية الله في تمَام القُدْرة، حيث أَلانَ الحَديد لداوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ وهذه الإِلانةُ ليس لها سَبَب حِسِّيٌّ معلوم، لأنه لو كانت بالأسباب المَعْروفة لم يَكُن فَرْقٌ بين داوُدَ عَلَيْه السَّلام وغيره، هذا هو الصحيح، وإن كان بعضُ العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ يَقول: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ﴾ أي: هَيَّئْنا له الأسباب التي يَلين بها الحديدُ، ولكننا هَيَّئْنا له أسبابًا عظيمة قوِيَّة لا تَحصُل لغيره.
الفائِدةُ الثَّامِنةُ: أنَّ الحديد بطَبيعته قاسٍ، وهو كذلك، ولولا أن الله تعالى يُلينه بما جعَلَ من الأَسْباب ما انتَفَع الناس به، وهل هو أَقسَى أَمِ الحِجارة؟
الجوابُ: الحِجارةُ؛ ولهذا لا تَلين الحِجارةُ بالنار، والحديدُ يَلين بالنار.


الصفحة التالية
Icon