رسول الله بامتثاله أمر الله فيما ينزل به من الشدة والعذاب لا يصدر من عاقل بخلاف تجويز النسيان عليه مع من أمر بالإنزال عليه. هذا حاصل ما رجحه به١،

١ ليس في كلام الرازي ذكر للنسيان مطلقًا وليس هذا حاصل ما رجحه به فقط وابن حجر يعبر عما فهمه هو بلفظه هو، والذي أفهمه من كلام ابن حجر في نقله عن الرازي ما يأتي.
إن سبب عداوة اليهود لجبريل لأنه ينزل بالعذاب لا يعقل أن يصدر عنهم، وأن الرازي رجح أن يكون سبب عداوتهم له عدوله بالوحي عنهم إلى محمد، من باب النسيان، وتجويزهم النسيان عليه يسوغ الرد عليهم في الآية قلت: ولكن كلام الرازي لا يدل على شيء من ذلك فقد حكى الاقوال الثلاثة في سب نزول هذه الآية ثم قال:
"واعلم أن الأقرب أن يكون سبب عداوتهم له، أنه كان ينزل القرآن على محمد عليه السلام لأنه قوله: "من كان عدوًا لجبريل فإنه نزله على قلبك" مشعر بأن هذا التنزيل لا ينبغي أن يكون سببًا للعداوة لأنه إنما فعل ذلك بأمر الله، فلا ينبغي أن يكون سببًا للعداوة.
وتقرير هذا من وجوه:
أحدهما: أن الذي نزله جبريل من القرآن: بشارة المطيعين بالثواب، وإنذار العصاة بالعقاب، والأمر بالمحارية والمقاتلة [و] لما لم يكن ذلك باختياره، بل بأمر الله، الذي يعترفون أنه لا محيص عن أمره، ولا سبيل إلى مخالفته، فعداوة من هذا سبيله توجب عداوة الله، وعداوة الله كفر، فيلزم أن عداوة من هذا سبيله كفر.
وثانيهما: أن الله تعالى لو أمر ميكائيل بإنزال مثل هذا الكتاب، فإما أن يقال: إنه كان يتمرد أو يأبى عن قبول أمر الله، وذلك غير لائق بالملائكة المعصومين، أو كان يقبله ويأتي به على وفق أمر الله، فحينئذ يتوجه على ميكائيل ما ذكروه على جبريل عليهما السلام فما الوجه في تخصيص جبريل بالعداوة؟
وثالثهما: أن إنزال القرآن على محمد، كما شق على اليهود، فإنزال التوراة على موسى شق على قوم آخرين، فإن اقتضت نفرة بعض الناس لإنزال القرآن قبحه، فلتقتض نفرة أولئلك المتقدمين إنزال التوراة على موسى عليه السلام قبحه. ومعلوم أن كل ذلك، باطل، فثبت بهذه الوجوه فساد ما قالوه".
قلت:
وواضح من هذا أن الرازي يفسر الآية على ضوء الأسباب الثلاثة، ويبدو من سياق كلامه أنه يعتبرها ثلاثتها.
والواقع أنه يمكن الجمع، فقد يكون منشأ العداوة حيلولته دون قتل بختنصر، وهو جزء من النزول بالعذاب، وختم ذلك بنزوله بالوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني خروج النبوة منهم.


الصفحة التالية
Icon