منَ اللازمِ، ويمكن عَلَى بُعدٍ أن تكونَ بمَعْنى (المُبِين)، يعني: المُظهر لِضَلَالهِم، ولكن المعْنَى الأوَّل أَبينُ.
على كلِّ حالٍ نقول: ﴿الْمُبِينِ﴾ هنا بمَعْنى: المظهِر للحقِّ، ولا يكون مُظهرًا للحقِّ إلَّا وَهُوَ بيّن بنفسه.
وترك المفعول فِي قوله: ﴿الْمُبِينِ﴾ لإِفادة الْعُموم والشُّمولِ، فهو مُبينٌ لكلِّ شيْءٍ، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩]، وهذا يدلُّ عَلَى أنَّ القُرآن شاملٌ لكلِّ شيْءٍ، وأمّا: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، فليسَ المُراد بِهِ القُرآن، وإنْ كَانَ كثيرٌ منَ النَّاس تَسمعهم يَستدِلّون بهذه الآيةِ عَلَى أن القُرآن شاملٌ لكلِّ شيْءٍ، ولكن المُراد ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾: اللوح المحفوظ.
و﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ أبلغ، فهو مذكور فيه بيانُ كلِّ شيْءٍ، فالقُرآن تِبيان لكل شيْءٍ، ولا يَخفَى عَلَى أحدٍ تبيان القُرآنِ إلا لعلَّةٍ فيه ليستْ فِي القُرآن، لعلة فِي نفس الَّذِي خفِيَ عليه؛ لأنّا نَجزِم بصِدْقِ هَذِهِ القضيّة ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، وما خفي عَلَى أحدٍ منَ النَّاسِ ما خفِيَ من الأحكامِ، إلا لِقُصُورٍ فِي فَهمهم، أو فِي عِلمهم، أو فِي إرادتهم، فهو إمّا قاصرٌ فِي الفهم لا يفهم، وهذا لا يَتَبَيَّن له الشَّيْء، وإما قاصِر فِي العلم لَيْسَ لديه معلوماتٌ، وإما قاصر فِي قصده، أي نِيَّته.
ولهذا قال شيخ الإسلامِ: "مَن تَدَبَّرَ القُرآنَ طالبًا الهُدَى منه تَبَيَّنَ له طريقُ الحقِّ". ذَكَرَه فِي (العقيدة الواسطية) (١)، حينما تكلَّم عن الآيَاتِ القُرآنيَّة الدالَّة عَلَى