فإنْ قيلَ: وما دَليلُ أهلِ العِلْمِ على أنَّ الرُّسُلَ السَّابقينَ لم يُرْسَلُوا إلى الجنِّ ما دامَ أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقولُ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]؟
قلنا: هم يقولونَ: إنَّ النَّبيّ يُبعَث إلى قومِه، وقومُه قبيلتُه وما يَتَّصِل بهم، والجنُّ ليسوا من جِنْسِهِ حتى يكونوا من قومه.
لكن رسالة النبي - ﷺ - إلى الجنِّ لا تدلُّ على عُمومِ رسالتِهِ إلى الجنّ؛ لأن الجنَّ لَيسوا منَ النَّاسِ، لكن في كونِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَجتمِع بهم ويُواعِدُهُمْ، ويَقْرَأُ عليهم القُرآنَ، ويُخْبِرُهم بما فيه يدلُّ على أنه مُرْسَلٌ إليهم.
فإن قيل: قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، هل يَعْنِي أنَّ الجنّ يَعْبُدُونَ بِشَرْعٍ؟
قلنا: الأَصْلُ أنَّ مَن يعبدونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أنَّهم يَعبدون بالشرعِ، فهم يَتَعَبَّدُونَ بالشرعِ بلا شَكّ.
وهل منهم رُسُلٌ أو ليسَ منهم رسلٌ؟
هذه المسألة موضع نزاع بين العلماء؛ فمنهم من قال: منهم رُسُلٌ؛ لقَوْلِهِ: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ [الأنعام: ١٣٠]، فقال: ﴿رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾، والرَّسُول لا بُدَّ أنْ يكونَ من جِنس مَن أُرْسِلَ إليه؛ لقَوْلهُ: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: ٩]، ولا يمكن أن يرسل إلى الجِنّ بشرٌ.
ومنهم من قال: إن قَوْلهُ: ﴿مِنْكُمْ﴾ يعود إلى المخاطَبينَ باعتبارِ المجموعِ: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ يخاطب اثنينِ، والضَّميرُ في: ﴿مِنْكُمْ﴾ يعود إلى أحد الإثنين،