سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليمٌ حكيمٌ ولا يُمْكِنُ أنْ يُرْسِلَ أحدًا إلى أقوامٍ فيُسَفِّه أحلامَهم، ويُفْسِد أديانَهم، إلَّا ومعَه منَ الآيَاتِ ما يُؤْمِنُونَ على مِثْلِهِ لو لم يَسْتَكْبِرُوا.
وقوله تعالى: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ هذا في المَعْنى مُكَرَّر مع ما قبلَه، لكنَّه في الأسلوب أشدُّ منَ الأوَّل، فالأوَّل حضٌّ بصفةِ العَرْض: ﴿أَلَا تَتَّقُونَ﴾، وهنا أمر: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، وفي هذا دليلٌ على قوَّة جانبِ الأَنْبِياءِ - عليهم الصلاةُ والسلامُ - بحيثُ تَوَصَّلُوا إلى أنْ يَأْمُرُوا أقوامَهُم، معَ أنَّهم في الواقعِ يَتَحَدَّثُونَ من مصدرِ المُلْتَمِسِ، لكن هم بأنفسِهِمْ أَعِزَّاء، وقد يكونُ أنَّهم يَتَكَلَّمُونَ من مصدرِ القُوَّةِ، أمّا هم بالنِّسبةِ لإخوانهم فإنَّ أقوامَهم مُسْتَكْبِرُونَ عنهم، ليسوا مُبالِينَ بِهِم.
قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُونِ﴾، وهم إذا اتَّقوا اللهَ وأطاعوا رسولَه، فقد حَقَّقُوا شهادةَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ هذا رَسُولُ اللهِ، وهو أمرهم بهذا، ولا يَتِمُّ الإسلامُ في أيِّ زمانٍ أو مكَانٍ إلَّا بذلكَ - شهادة أن لا إله إلا الله، وأن هذا رَسُولُ الله - أمَّا بعدَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فتَعَيَّنَ: وأنَّ محُمَّدًا رَسُولُ الله.
قال المفسِّر: [فيما آمُرُكُمْ به]، أي: من توحيدِ اللهِ وطاعتِهِ. وفي أَمْرهم بهذا إشارةٌ إلى أنه أُرسِلَ بذلكَ، أي: أُرْسِلَ بأنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَقْوَى اللهِ؛ لأنَّه قال: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، والفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بعدَها على ما قَبْلَها، يَعْنِي: هذه الرِّسالَةُ الَّتي أُرْسِلْتُ بها تَتَضَمَّنُ التَّقْوَى، وطاعةَ الرَّسُولِ؛ لأن طاعةَ الرَّسُولِ طاعةٌ لِلْمُرْسِلِ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
قَوْلهُ: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ أي: على ما قلتُ، أي: على تبليغِ الرِّسالَةِ، و (مِنْ): زائدةٌ، و (أَجْرٍ): اسمٌ منصوب على أنه مفعول ثانٍ لـ (أَسْأَلُكُمْ)، وهو منصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ، منعَ مِن ظُهُورِهَا اشتغالُ المَحَلّ بحركةِ حرفِ الجرِّ الزائدِ.