و ﴿إِنْ﴾ بمَعْنى (ما): فما حِسَابُهُمْ - كما قال المُفَسِّر- ﴿إِلَّا عَلَى رَبِّي﴾ فيُجَازِيَهم، وأمَّا أنا فما عليَّ مِن حِسابهم مِن شَيْءٍ، كما أنه ليْسَ عليَّ أيضًا من حسابِكم مِن شَيْءٍ.
أمَّا كونُ عَمَلِ هؤلاءِ بالقلوبِ فليس بظاهرٍ؛ يَعْنِي: حِسَابهم على ربِّي حتى لو عَمِلُوا هذه الأعمالَ؛ لأنَّ أعمالَ البواطنِ لا يُمْكِنُ أنْ يُقدَحوا بها، ولو قُدِحُوا بهم ما قُبلَ، فيقول: حسابُهم على اللهِ ليس عليَّ، وأنا ما عليَّ إلا تَبْلِيغ الرِّسالة.
وقَوْلهُ: ﴿لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ الشُّعورُ هنا بِمَعْنى: العِلْم، قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [ما عِبتموهم]، يَعْنِي: ما قَدَحْتُم فيهم، يَعْنِي: لو أنَّكم تَشْعُرُونَ بالأمرِ وتَعْلَمُونه ما عِبْتُمُوهم بِقَوْلِكُمْ: أَرَاذِلُنَا، ولكن عَيبهم إيَّاهم في الواقعِ لأنَهم آمَنُوا بِنُوحٍ، فهم أراذلُ عنْدَهُم لأنَّهم آمَنُوا بمَن يَرَوْن أنَّه ليسَ على حقٍّ، ومعلومٌ أنَّ مَنِ اتَّبعَ مَن ليسَ بحقٍّ فهو مِن أراذلِ النَّاسِ معنًى، وإنْ لم يكنْ من أراذلهم حِسًّا، فالذي يَتَّبعُ مَن لم تَقُمْ عليه البَيِّنَةُ، فهو من أراذلِ النَّاسِ معنًى، وإنْ كَان فيما بينَ النَّاسِ قد يكونُ له جاهٌ، ويكون عزيزًا.
فالمَعْنى: لو تَشْعُرون بالأمرِ على حقيقتِهِ لَعَرَفْتُم أنَّهم ليسوا بأراذلَ، وأن حِسَابَهم ليسَ عليَّ، وأنَّ عليَّ واجبًا وعليهم واجب.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذا يُشْعِر بأنَّه عَلِم إِخلاصَهُم، وأنَّهم إنَّما قالُوا: ﴿وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ تَلميحًا لِطَرْدِهِمْ بلا شكّ، فهذا الَّذي قالُوه كَأنَّهم يقولون: نحنُ نَأْنَفُ أن نكونَ معَكَ ومعك هؤُلاءِ الأرذلونَ، فنكون نحنُ على اليمينِ وهم على اليَسارِ، أو على اليسارِ وهم على اليمينِ، فلا بُدَّ أنْ تَطْرُدَهُمْ لِنُؤْمِنَ،