فقال: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، فأكَّد قولَه بالباءِ، يَعْنِي: لا يُمْكِن أنْ أَطْرُدَهُمْ أبدًا؛ لأنني أنا دَعَوْتُهم إلى الإيمانِ فآمَنُوا، فكَانَ حَقّهم عليَّ الإكرام.
وهذا الَّذي قالَه قومُ نوحٍ، وهو أوَّل الرُّسُل، قالَه قومُ محُمَّدٍ - ﷺ - وهو آخِر الرُّسُلِ، فقال الله تَعالَى له: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٢٨]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢]، فهذا دَأْبُ المُكَذِّبينَ للرُّسُلِ، ما عنْدَهُم شَيْءٌ يَعْتَمِدُونَ عليه سِوَى التَّمْوِيهِ والتضليلِ وزخارِفِ القولِ، الَّتي لا تَنْطِلي إلَّا على العُميانِ.
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿إِنْ﴾ ما ﴿أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾]. والنَّذيرُ هو المُخْبِرُ بما يخوِّف، يَعْنِي الإعلامَ المَقْرُون بالتَّخْوِيف.
وقوله تعالى: ﴿مُبِينٌ﴾ قال المُفَسِّر رَحمَهُ اللهُ: [بَيِّن الْإِنْذَار]، فجعلَهُ المُفَسِّر مِن (أبَانَ) اللازِمِ، معَ أنه يَحْتَمِل أنه مِن (أبانَ) المتعدِّي، فتكون بمَعْنى: مُظْهِرٍ، يَعْنِي: إني مُظْهِرٌ لِمَا جِئتُ به، فأنا نَذير مبيّن للناسِ.
فوائدُ الآيَاتِ الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: وفي قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ دليلٌ على أنه يَنْبَغي للإِنْسانِ أنْ يقرّبَ منه كلَّ مؤمنٍ، وأنْ يختارَ لنفسِه أصلحَ الأصحابِ، كما جاء في السنَّة في الحثِّ عليه، فهذا اختيارُ الجَليسِ الصَّالحِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: وفيه أيضًا دليلٌ على أنه يَنْبَغي موالاةُ المُؤمِنينَ، والقُرب منهم، وأن هذا دأبُ الأَنْبياءِ؛ لقوله: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.