الثَّاني: ذِكْر الحالِ الداعيَةِ المُقْتَضيَةِ في الدُّعاءِ: ﴿إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ﴾.
الثالثُ: الطَّلَب، ﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
أولًا: قَوْلهُ: ﴿رَبِّ إِنَّ قَوْمِي﴾، والربوبيَّة تَنقسِم إلى قِسمينِ: عامّة وخاصّة، وهذه من الربوبيّة الخاصّة، بل هي من أخصِّ الرُّبُوبيَّات؛ لأنّها رُبوبيّة اللهِ تَعالَى في رُسُلِه.
ثانيًّا: قَوْلهُ: ﴿إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ﴾ إظهارٌ للأضعفِ، يَعْنِي: لما هو أضعفُ؛ لأن قَوْلهُ: ﴿إِنَّ قَوْمِي﴾ كَان مُقتضى الحالِ أن يكونوا مُصدِّقين له؛ لأنَّهم قومه، ولكنهم - والعياذُ باللهِ - صاروا مُكذِّبين له، فصارتْ حالُه تَقتضِي رأفةً أكثرَ، حيثُ إنَّ قومَه هم الَّذينَ كَذَّبوه، ثم إنه يَقتضي أن تكونَ النِّكاية فيهم أعظمَ أيضًا؛ لأنَّهم قومُه.
وهذه الإضافةُ فيها فائدتانِ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: بيان أنه مُسْتَحِق للرأفةِ أكثر؛ لأنَّ قومَه هم الَّذينَ كذَّبوه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ قَومَه مستحِقّون للتنكيلِ بهم أكثر؛ لأنَّهم قومُه، وكَان عليهم أنْ يُصدِّقوه ويَمنعوه، يَعْنِي: من أنْ يُؤْذَى، فكيف يكونون هم الَّذينَ يُؤْذُونه؟ !
وهذا كقولِهِ تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ١ - ٢]، ولم يقلْ: "ما ضلَّ النَّبيّ أو الرَّسُول"، بل قال: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾، يَعْنِي: الَّذي تَعرِفونه، وتعرِفون رَجَاحَةَ عقلِهِ، وتعرفون أمانتَه، فكيف تُنكِرون ما جاءكم به منَ المِعراج؟ !