وقد نقول: إن قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ من بابِ التَّغْليب؛ لأنه هو أيضًا إنَّما دعا مَن معَه، فكَأنّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غلَّب جانبَ العُقَلاء؛ لأنه هو إنَّما دعا بإنجائهم، فصار هذا أنسبَ لمطابقةِ الإجابةِ للطلَبِ.
وقوله تعالى: ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾، الفُلْك الَّذي بناه أو صنعه نوحٌ بأمرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وقد قال الله تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر: ١٣]، وهنا قال: ﴿فِي الْفُلْكِ﴾.
وأيُّهما أخطر؛ قَوْلُهُ: ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾، أم قَوْلُهُ: ﴿فِي الْفُلْكِ﴾؟
الفُلك بلا شك أخطر من: ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾، لكن في السُّورة: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: ١]، كما هو معروف في تَوَاصُل آياتها ومَقاطعها وجُمَل الآيَات المناسِبة لها: ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾.
كما أنَّ فيه فائدةً معنويةً، وهي بيان موادّ هذه السَّفينة، أنَّها منَ الألواحِ والمَسَامِير، ليكونَ في ذلك دليلٌ على أنَّها مُحْكَمة، ولأجلِ أنْ يَتَعَلَّم صناعةَ السُّفُن مَن لم يَعْرِف، والصناعةُ في ذلكَ الوقتِ ما تَطَوَّرَتْ إلى هذا التطوُّرِ.
وقَوْلُهُ: ﴿الْمَشْحُونِ﴾ قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [المملوء منَ النَّاسِ والحيوانِ والطَّير]، فهو مشحونٌ مملوءٌ منَ الحيوانِ، ومِن النَّاس، والطير، والطيرُ مِن الحيوانِ، لكن عطْفُه عليه من باب عَطْف الخاصِّ على العامِّ، وكَأنَّه يريدُ أنَّ الحيوانَ هو ما يَمشي على رِجْلَيْهِ، والطير ما يَطِير بِجَنَاحَيْهِ، وإلَّا لو قالَ: الحيوان لَكَفَى.
وقَوْلهُ: ﴿الْفُلْكِ﴾ اسمُ جِنسٍ يَشمَل بلفظِه الواحدَ والجمعَ، يَعْنِي هذا اللفظ صَالِحٌ للجمعِ والمُفرد، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ