طَيِّبَةٍ} [يونس: ٢٢]، فقال: ﴿وَجَرَيْنَ﴾ هنا أراد بالفُلْكِ الجمعَ، وقال في موضعٍ آخر: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾ [لقمان: ٣١]، فهنا أرادَ المفردَ، ولو كَان بالجَمْع لقالَ: تَجْرِين.
فإنْ قيلَ: وهل هذا الفُلْك يَشْمَل الطائراتِ والسياراتِ؛ لِقوله تعالى: ﴿أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [يس: ٤١]، ولم يقلْ: أنّا حَمَلْنَاهُم؟
قلنا: الَّذي يَمْنَع من هذا هو قَوْلهُ: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾، والذُّرِّيَّة تأتي بعدُ، فكيف تكونُ آيةً لهم وهم سابقونَ عليها، ولذلك أكثر المُفَسِّرين على خلافِ هذا الرأي، يقول: ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ يَعْنِي ذُرِّيَّةَ أبيهم، أي نوح عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وبعضُهم قال: إنَّ الذُّرِّيَّة هنا بِمَعْنى الآباءِ، لكن استعمال الذريَّة بمَعْنى الآباءِ بعيدٌ في اللُّغة العربيَّة، لكن استعمالها بمَعْنى الذُّرِّيَّة الَّتي نَشئوا منها، ليس في الإضافة للذرية الَّتي نشأتْ منهم، وهي ذُرِّيَّة أبيهم نُوح، وهذا أنسب؛ لأن الحَقِيقَة أننا لو جعلنا: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ لِذُرِّيَّةٍ ما بعدُ جاءَت تكون آيةً لمَن قد ماتَ، فهذا بعيدٌ.
لكنَّها ربما تُطْلَق على الطائراتِ وغيرها من وسائلِ النقلِ الحديثةِ؛ لأن الفُلْكَ هو كلُّ مركوبٍ مخلوقٍ، ولهذا حصرَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المركوباتِ في هذا: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ [الزخرف: ١٢]، فالْفُلْك ما نَصْنَعُه نحنُ، وَالْأَنْعَامُ ما يَخْلُقُه الله.
لكن الكَلام هُنا على كونِ هذه الوسائلِ آيةً لهم، وهم موْجودونَ، والذُّرِّيَّة ما بعدُ أتتْ، فنفسُ الآيَاتِ الموْجودةِ في عهدِه إذا حَمَلْنَاها نحن على الطائراتِ والسياراتِ وسائرِ المراكبِ، لا يكون آيةً لهؤُلاءِ.