وقالُوا في المَعْنى الأخير: منه قولُهم: أرضٌ عَزَازٌ، يَعْنِي: صُلبة قويَّة مُمْتَنِعة، ليستْ رِخْوَةً ليِّنة.
وأمَّا الرَّحِيمُ فمعناهُ: ذو الرحمةِ الواصلة إلى خَلْقِه؛ لأن: (الرَّحِيم) غيرُ (الرَّحْمن)، وأهل السنَّة والجماعة يُثْبِتُون الرحمةَ للهِ حقيقةً، وغيرُهم يُؤَوِّلُها بأنَّ المُرادَ بها الإحسانُ، أو إرادة الإحسانِ، يَعْنِي أنَّهم يُثْبِتُونها إلى لازِمِها؛ لأن الرحمةَ هي الرِّقَّة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منزّه عن الرِّقَّة! فيُقال: مَن قال لكم: إن اللهَ منزَّه عن رِقَّة الرحمةِ؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرْحَمُ عبدَه، بمَعْنى أنَّه يَعْطِف عليه، وأيّ مانعٍ يَمْنَع اللهَ منَ العطفِ؟ ! فالقاسي ليس بمحمودٍ، أمَّا اللَّيِّن فهو المحمودُ لا شكّ.
ثم إننا نقول: إنَّ لِينَ الإِنْسانِ غيرُ لينِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنَّ لِينَ الإِنْسانِ سَبَبُه الضعفُ أحيانًا، وعدمُ القُدْرَةِ، ولهذا يَرْحَمُ الإِنْسانُ أحيانًا مَن لا يَسْتَحِقّ الرحمةَ؛ لأنه ما عنده إلا مجرَّد العاطفة؛ عاطفة اللِّين، الَّتي سببها الضعفُ، أمَّا الله عَزَّ وَجَلَّ فإنّ رحمته رحمةُ قوّةٍ، ورحمة حِكْمة، ولهذا يُعذِّبُ أهلَ النارِ ذلك العذابَ العظيم، وهو أرحمُ الراحمينَ.
فإن الأدلَّة على رحمة الخالِقِ ليستْ كرحمةِ المخلوقِ.
فوائدُ الآيَات الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنجَى مَن معَه منَ المُؤمِنينَ بناءً على دعائِه، وأنجى غيرَهم أيضًا ممَّا يحتاجونَ إلى وُجودِهِ ﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠].
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الإشادة بهذا الفُلك، فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾، وهذا من وجوهٍ: