قال ابن القيِّم (١):

مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ هُوَ أَوْجَبَ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ الشَّانِ
كَلَّا وَلَا عَمَلٌ لَدَيْهِ ضَائِعٌ إِنْ كانَ بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِحْسَانِ
إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا فَبِفَضْلِهِ، وَالْفَضْلُ لِلْمَنَّانِ
قيّد بقَوْلِهِ: "إن كَانَ بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِحْسَانِ"، والإحسانُ هو المتابعةُ، أمَّا إذا لم يكنْ بالإخلاصِ والإحسانِ فيَضِيع: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠].
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ﴾ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ ﴿آيَةً﴾ بِنَاءً عَلَمًا لِلْمَارَّةِ ﴿تَعْبَثُونَ﴾ بِمَنْ يَمُرّ بِكُمْ وَتَسْخَرُونَ مِنْهُمْ]، ففسَّر هنا الآيةَ بأنها العَلامَةُ، لكنها تَحتمل أن تكونَ عَلامَة على الطريقِ كما قال المُفَسِّر، معَ أن السياقَ لا يؤيِّده، لكنه كذلك لا يَمْنَعُه.
وكذلك قد يكون المُراد آيَة أي: عَلامَة على قُوَّتِكُم ومَقْدِرَتِكُم، وهذا هو الأقربُ، ولهذا قال: ﴿بِكُلِّ رِيعٍ﴾ يَعْنِي أنَّكم تريدون من هذه البِناياتِ أن تكونَ آيةً ودليلًا وبُرهانًا على قوتكمْ.
وقَوْلهُ: ﴿تَعْبَثُونَ﴾ تَتَّخِذُونَ ذلك عَبَثًا؛ لأنه لا مصلحةَ لكم فيه إلا مجرَّد العَبَث، وإظهار العَظَمَة، وإظهار القُوَّة، وهذا بلا شَكّ كون الإِنْسان يُظْهِر قوَّتَه أنه عبَث وفسادٌ.
(١) نونية ابن القيم الكافية الشافية (ص: ٢٠٨ - ٢٠٩) ط. مكتبة ابن تيمية.


الصفحة التالية
Icon