وقَوْلهُ: ﴿الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ أتَى بهذا الوصفِ أيضًا إقامةً للحُجَّة عليهم؛ لأنَّ مَن أَمَدَّكَ بهذه النعم كَان أَولى بأن تَتَّقِيه.
وقَوْلهُ: ﴿بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ مُبْهَم؛ لأن (ما) اسم موصولٌ، والإسمُ الموصولُ مُبْهَم وعامّ، ثم فصّله بقَوْلهِ: ﴿أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ﴾. والتفصيلُ بعدَ الإجمالِ، أو البيان بعد الإبهامِ، له فوائدُ، منها:
١ - تَنبيهُ السامِعِ أو القارئِ؛ فإذا كَان مثلًا يقرأ: ﴿الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ﴾ يشعر براحةٍ ثم بِتَنْبِيهٍ؛ لأن السياقَ تَغَيّر، فمِن المُبْهَم إلى المخاطبينَ بَيِّن وواضح، فهذا فيه تنبيهٌ.
٢ - التشويقُ؛ لأن الإِنْسان يحبّ الإستطلاعَ، فإذا أُبهم إليه الأمرُ ووَضَحَ، اشتاقَ إليه ورَسَخَ في ذِهنه؛ ترسيخِ الكَلام في الذِّهن؛ لأنه إذا جاء مُبْهَمًا تَشَوَّق له الذِّهْنُ، فإذا بُيِّنَ له بعدَ ذلكَ تَرَسَّخَ فيه.
٣ - العِناية؛ لأن كونَه يُبْهِمُه ثم يُبَيِّنه أو يُجْمِلُه ثم يُفَصِّله؛ لأجل أن الإِنْسان يتشوَّق إليه ويَرتقي من معناه أنه أمر يُعتنَى به، كما أنَّ فيه أيضًا تأكيدًا؛ لأنه ذُكِر مرتينِ: مرَّةً مُبْهَمًا، ومرَّةً مُفَصَّلًا أو مُبَيَّنًا.
٤ - تأكيده؛ بذِكره مرتينِ: مَرَّةً مُجْمَلًا، ومَرَّة مفصَّلًا، أو مبهمًا ثم مُبَيَّنًا.
قَوْلهُ: ﴿أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ ما قال: (أمدَّكم بأنعامٍ وبَنينَ)، بالنِّسبة لهذه الآية يالذاتِ، فبيَّن لهم أن اللهَ أمدَّهم بأمرٍ لا يُمْكِنُهم إنكارُه؛ لأنَّهم يعلمونَ، فقدَّم: ﴿بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ على ذِكر المُنْعَم به بإقامةِ الحجَّة عليهم، حيثُ إنَّ هذه نِعَم مفهومة ومعلومة لهم، فلا يُمْكِنُهم إنكارُها.


الصفحة التالية
Icon