لأنه عظيمٌ أعظم ما يكون في الآخرةِ.
وإن قيل: قولُه تعالى: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ألا يدلُّ هذا على أنه يوم القيامة خاصة؟
قلنا: لا، فإنَّ اليومَ الَّذي يقع عليه العذابُ بالدنيا يُوصَف أيضًا بأنه يَوْم عَظِيم؛ وهو أيضًا لم يُعَيِّن يومًا.
﴿قَالُوا﴾ في الجَوابِ بعد هذا التذكيرِ بالنِّعم، وبعد هذا الوعظِ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾ أعوذ بالله! فهذا كِبرياء عَظيم! و ﴿سَوَاءٌ﴾ بمَعْنى مستوٍ، وهي خبرٌ مُقَدَّم، و ﴿أَوَعَظْتَ﴾ الجُملةُ الإسْتِفهاميَّةُ هذه في تأويلِ مَصْدَر لمبتدأٍ مؤَخَّرٍ، يَعْنِي: وَعْظُك وَعَدَمُه سَوَاءٌ.
وهذا من المواضعِ الَّتي تكون مؤوَّلة بالمصدرِ بدون حرفٍ مصدَرِيٍّ؛ مع أنَّ الَّذي دخلَ عليها أداة الإسْتِفهام، لكن بعد (سَوَاءٌ) هكذا تؤول وما بعدها بالمصدر، كقولِهِ تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦]، أي: استغفارُكَ وعدمُه، وكقولِه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦]، أي: إنذارُك وعدمُه.
فهم قالوا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾ أي: لا نَرْعَوِي لِوَعْظِكَ، وهذا مِنَ الجَبَرُوتِ ﴿أَوَعَظْتَ﴾ بالفعلِ ﴿أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾ لم يَكُنْ وَصْفك الوَعْظ، ﴿سَوَاءٌ﴾ تركتَ الوعظَ أم لم تَتْرُكْه؛ لأنَّهم ما قالُوا: سواء عَلينا أوعظتَ أم لم تَعِظْ بل ﴿أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾.
فالمقصودُ من هذا أنه لا يُهِمُّهم أن يكونَ وَاعِظًا، أو غيرَ واعظٍ، ولا أن يَعِظهم