والمُفَسِّر - على القِراءَة الثَّانية - يَرَى أنَّ اسمَ الإشارةِ يعودُ إلى ما كَانوا عليه، وعلى قِراءَة: (خَلْق) فهو عائد على قولِ هودٍ، وسياقُ الآيةِ يدلُّ على أنه راجعٌ إلى قولِ هودٍ، سواءٌ بضمّ الخاءِ أو بِفَتْحِها، أمَّا فتحها فظاهرٌ: (إن هذا إلا خَلْق الأولين)، وأما ضَمُّها فهو أيضًا ظاهر كَأنَّهم يقولونَ: إنَّ ما جئت به هو خُلُقُ الْأَوَّلِينَ من قَبْلِكَ - يَعْنِي بعضهم - الَّذي كَانوا عليه، يَعْنِي الأَنْبِياء السابقين، فعلى هذا يكون مَرْجِع الإشارةِ واحدًا.
أمَّا على رأيِ المُفَسِّر: (إن هذا إلا خَلْق الأولين) فيُريد أنَّهم يحتجون به، كَأنَّهم يقولون: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢]، وهذا ما عليه آباؤنا، فسنبقى عليه، والآيةُ محتمِلة، ولكنها في الأوَّل أظهرُ:
أولًا: لأن القراءتينِ يفسِّر بعضهما بعضًا.
ثانيًا: إنهم يريدونَ أن يَرُدُّوا على قوله هو، لا أن يُبَرِّروا فِعلَهم.
قَوْلُهُ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ هذا إنكارٌ لقَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ كَأنَّهم يقولونَ: ما تَخَوَّفْتَ ليسَ له أصلٌ، فما نحنَ بمعذَّبِين.
وتأمَّل هذا التعبيرَ الَّذي أتى مؤكَّدًا بالباء في قَوْلهِ: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ لم يقولوا: "وما نحن معذبون"، وكذلك أتوا بالوصفِ: ﴿بِمُعَذَّبِينَ﴾ في الجُملة الإسميَّة؛ للدَّلَالَةِ على انتفاءِ هذا أبدًا؛ لأن الجُملةَ الإسميَّة تَدُلّ على ثُبُوت مَدْلُولهِا، فعليه يكونون قد أَنكَروا أنْ يُعَذَّبُوا، وادَّعَوْا أنَّهم لن يعذَّبوا أبدًا، ولكن هذا كما قال النَّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "العَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ" (١)، فهؤُلاءِ

(١) سبق تخريجه.


الصفحة التالية
Icon