الثَّاني تكون تأكيدًا، والمَقام مهمٌّ جدًّا، ويَحتاج إلى أن تُكرَّر فيه هذه الكلمةُ، وهي تقوى الله، وطاعة الرَّسُول - ﷺ -.
وقَوْلُهُ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ هذا أمرٌ ونهيٌ: أمرٌ بِتَقْوَى اللهِ وطاعته، ولكنَّه نهيٌ عن طاعةِ أَمْر المسْرِفِينَ، واحد الأوامر، يَعْنِي: لا تُطيعوا أمرَهم.
ولماذا قال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ وما قال: وأَطِيعوا أمري، وهنا قال: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾، ولم يقلْ: لا تُطيعوا المسرفينَ في إفسادِهِمْ؟
والجَواب: أنَّه يَنهاهم عن طاعةِ أمرِ المسرفينَ، في أنَّهم كبار القومِ ووُجَهَاؤُهُمْ، وأنَّهم يأمرونَ، فهذا أبلغُ مِن لو قالَ: ولا تُطِيعُوهم.
ولو قال: لا تطيعوا المسرفينَ أنفسَهم، ربما يُقالُ: إن هذا لِعَدَاوَةٍ بينه وبينهم، فهو لا يريدُ أن يُطاعوا، وأمرَ بطاعةِ نفسِه، لكن لما قال: ﴿أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾ فكَأنَّه يقول: أنا لا يُهِمُّنِي أن يكونَ هذا من فلانٍ أو من فلانٍ، ولكن الكَلام على أنه أمرٌ من مُسْرِف؛ لأجلِ أنْ يُبعِد اتِّهامَه بأنَّه لا يريدُ المسرفينَ أنفسهم، حيث وجّه النهيَ عن طاعتهم لأنفسِهم، فجعلَ النهيَ عن طاعةِ أمرِهِمُ الَّذي هو أمرُ إسرافٍ وفسادٍ.
وقَوْلهُ: ﴿الْمُسْرِفِينَ﴾ يَعْنِي المُتَجاوِزِينَ للحَدّ، فالمسرِفُ: مَن جاوَزَ حدَّه، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأعراف: ٣١]، أي لا تَتَجَاوَزُوا الحَدَّ كَمِّيَّةً ولا كيفِيَّة.