لا يكونُ إلّا بصوتٍ عالٍ، قال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢]، فالنداءُ يكونُ للبعيدِ، ويَلْزَم أن يكونَ بصوتٍ عالٍ، وأمّا المناجاةُ فهي للقريبِ.
قال: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى﴾ هُوَ ابنُ عِمران عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وقوله: ﴿رَبُّكَ﴾ الإضافةُ هنا للتخصيصِ، فهي ربوبيَّة خاصَّة؛ لِأَنَّ ربوبيَّةَ اللهِ نوعانِ، كما أنَّ عُبُودِيَّته نوعانِ.
قال: ﴿أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، (أن) تفسيريَّة؛ لأنها سُبقت بمَعْنى القولِ دونَ حُروفه، و (أنْ) إذا سُبقت بمَعْنى القولِ دونَ حروفِه تُسَمَّى تفسيريَّة، ومثلها ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون: ٢٧]؛ لِأَنَّ الوحيَ فيه مَعْنى القولِ دونَ حروفِه، فيُعْرِبُونَ مثلَ هَذِهِ بأنها تفسيريَّة. ولهذا قال المفسِّر: [أي بأنِ ﴿ائْتِ﴾].
وقول المُفسِّر: [ليلة رأى النارَ والشَّجرةَ]، فكونه (ليلة رأى النارَ) صحيحٌ، قال تعالى: ﴿إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [طه: ١٠]، وكذلك الشَّجرةُ، ولكن التزام أَنَّهُ رآها فيه نظرٌ؛ لِأَنَّ سُورَة القَصَص لا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رآها، قال تعالى: ﴿قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القَصَص: ٢٩ - ٣٠]، فلا يَتَبَيَّن منَ القُرآن أَنَّهُ رأى الشَّجرةَ، إنَّما يَتبيَّن أن الصوتَ سَمِعَهُ مِن قِبَل الشَّجرةِ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ رسولًا]؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ المُراد أَنَّهُ يأتيهم فقطْ، بل يأتيهم بالرِّسالَة، و (الْقَوْم): الجماعة، و (الظَّالمِينَ) سيأتي ذِكر المُفسِّر لمَعْنى الظُّلم.


الصفحة التالية
Icon