قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ معه، ظَلَمُوا أنفسهم بالكفرِ باللهِ وبني إِسْرَائِيل باستعبادهم]، فهم منَ الظالمينَ المعتدِين الناقصينَ حق الله وحق العباد، أما حقُّ الله فإنهم كَفَروا بِهِ وأَشركوا به، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]، وأمَّا حَقُّ الْإِنْسَان فقدِ استعبدوا بني إِسْرَائِيلَ، وصاروا يذبّحون أبناءَهُمْ، وَيسْتَحْيُونَ نِساءَهم.
وفي قوله: ﴿أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ تخصيص بعد تعميمٍ، أو بيانٌ بعد إجمالٍ؛ لِأَنَّ ﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ مُبْهَم، لكن: ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ مُبَيَّن.
وفائدة الإبهام ثم البيان بعده التَّأكيدُ من وجهٍ، وبيانُ الإهتمامِ بِهِ من وجهٍ آخَرَ، وتلقّي السمعِ له بالقَبولِ من وجهٍ ثالثٍ.
أما التَّأكيد فلأنه كُرر مرتينِ: مرَّةً مُجْمَلًا، ومرَّةً مُبَيَّنًا، وهذا التَّأكيد، وأما الإهتمام بِهِ فلأنَّ ذِكْرَه مؤكدًا دليلٌ عَلَى أَنَّهُ مهتمٌّ به، وأمَّا تلقِّي السمع له بالقبولِ فلأنه إذا جاء اللفظُ له مُجْمَلًا بَقِيَ الذهنُ يدورُ: ما هذا؟ ومَن هَؤُلَاءِ مثلًا؟ فإذا أتى البيانُ إليه بعد ذلك أتَى إِلَى ذِهْن مُتَشَوِّق حَريص عَلَى معرفةِ هَذَا المبهَم، فيَتَلَقَّاه بالقَبول أكثر؛ لِأَنَّهُ مُتَشَوِّقٌ إليه، ومُتَطَلِّعٌ إليه، فهذه فوائدُ البيانِ بعدَ الإجمالِ.
وفي وَصْفِهِمْ بالظُّلمِ قبلَ بيانهم - أي فِي هَذِهِ الآية - إشارة إِلَى عِظَم أَمْرِهم، حيث قدّم الوصفَ عَلَى الموصوفِ فِي الحَقِيقَة؛ لِأَنَّهُ عِندَما يُقال: ﴿أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ يَتَصَوَّر الْإِنْسَان وَيعْرِف أَنَّهُم ظَلَمَةٌ، فإذا جاء بيانُهم جاء بعدَ الحُكْمِ عليهم بهذا الوصفِ، ممَّا يدلُّ عَلَى قُبح ما هم عليه من هَذَا الأمرِ.


الصفحة التالية
Icon