تعالى أنْ وقعَ هَذَا التابوتُ فِي قبضةِ آل فِرْعَوْن فالتقطوه؛ لحكمةٍ يريدها الله عَزَّ وَجَلَّ وهم لا يشعرونَ، فلمّا التقطوه أرسلتْ أمُّ مُوسَى أختَه لتقصَّ الخبرَ ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ﴾ [القصص: ١١]، عن بُعد، ثم رأتهم يطلبون له مرضعةً، فعرضتْ عليهم ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢]، فرُد إِلَى أُمِّه، ولم يَرْتَضِعْ ثديَ أُنثى غيرها، وهذا من تمامِ قُدرة اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ووفائه بوعدِهِ، أَنَّهُ ردّه إِلَى أُمه قبلَ أنْ يَتَغَذَّى بشيْءٍ سِوى لَبنها، وبقِي معها حَتَّى فَطَمَتْهُ.
وبحسب الحال سوف يرجع إِلَى آل فِرْعَوْن الَّذين التقطوهُ، فرجع إليهم فنشأ فيهم، وهذا من تمامِ قُدْرَة اللهِ أن يَنْشَأ هَذَا الصبيُّ الَّذِي كَانَ هلاك فِرْعَوْن بسببه فِي حجْرِهِ.
وقد قيل: إن فِرْعَوْن كَانَ يُقتّل أبناءَ بني إِسْرَائِيل خوفًا من هَذَا الولدِ؛ لِأَنَّ الكَهَنَة قالوا له: إنه سيظهرُ رجلٌ فِي بني إِسْرَائِيل يكون زوالُ مُلْكِكَ عَلَى يدِه، فصار يقتل أبناءَهم.
هَذِهِ عَلَى كلِّ حالٍ مِن الإسْرَائِيليات الَّتِي لا نَدري هل تُصَدَّق أم لا؟ إنَّما كونه يقتل الأبناء وَيسْتَحْيي النِّساء هَذَا فِي القُرآن، لكن هل هُوَ إذلال للشَّعب واستعبادٌ لهم، أم خَوْفًا مِن هَذَا الوَلَدِ؟ اللهُ أعلمُ.
على كلِّ حالٍ، تَرَبَّى عندهم فكان يَمُنّ عليه فِرْعَوْن بهذه المِنَّة ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ يعني: فكيف تأتي ضِدَّ ما نريدُ، وتدّعي أنَّ لك ربًّا أَرْسَلَكَ، ثانيا: ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ - وليسَ سِنينًا؛ لِأَنَّهُ ملحَق بجمعِ المذكَّر السالمِ -.
وقوله: ﴿مِنْ عُمُرِكَ﴾ فِي الأَصْل صِفة للسِّنين، أصلها: لَبِثْتَ فينا سِنينَ مِن عُمُرِكَ، ولكن القاعدة فِي النحوِ أن الصِّفَةَ إذا قُدّمت أُعْرِبَتْ حالًا؛ لِأَنَّ الحالَ