فمَنَعَهُ مِن ظُلْم هَذَا الرَّجُلِ، ولهذا يقول المُفسِّر: [﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ ولم تَسْتَعْبِدْنِي، لا نعمةَ لك بذلكَ لِظُلْمِكَ باستعبادهم]، فأنت ما أعطيتني منّةً جديدة ونعمةً جديدةً حَتَّى تمُنّ بها، فهو يُنكر عليه، ولهذا يقول المُفسِّر: [وقدَّرَ بعضُهم أوَّل الكَلام همزةَ استفهامٍ للإنكارِ]، يقول: كيف تمنُّ عليّ بهذا الشَّيْء؛ بأنك عبَّدتَ بني إِسْرَائِيل، هَذَا لَيْسَ بنعمةٍ.
ففِرْعَوْن يراها نعمةً، قَالَ: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ﴾ فهو جعل هَذِهِ مِنَ النِّعم.
قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ كونك عَبَّدْتَهُم، أي: جَعَلْتَهم عبيدًا لكَ، ووجهُ الإستعبادِ أَنَّهُ - وَالْعِيَاذُ بِاللهِ - كَانَ يقتّل الرِّجالَ، فتبقى النِّساء بدون قيِّمٍ، والمرأةُ إذا بَقِيَتْ بدون قيِّم تضطرُّ إِلَى أن تَخْدُمَ، ولهذا قال العلماءُ: إنه كَانَ يستخدِم النِّساء فيُبْقِيهِنَّ بالضرورة، وإذا لم يكن لهنّ قيِّم سوف يَلْجَأْنَ إِلَى الأقباطِ لاستخدامهنَّ.
وسبقَ أن قال مُوسَى: ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٢٠]، ثم قَالَ: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ٢١]، فكأنه يقول: أنتم لم تألوا جُهْدًا فِي معاقبتي، ولكنَّني فَرَرْتُ منكم فلم تُدْرِكُوني فنجوتُ، فالعُقوبة نجوتُ منها بالفرارِ، والجهلُ تَنَزَّهْتُ منه بالرِّسالَةِ.
فكأنه يقول: تَرْك الظلمِ بالنِّسبةِ إليّ لا يُعَدُّ نعمةً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان لَيْسَ مُسْتَحِقًّا له حَتَّى نقول: إنه عَفَا عنه وتركه، فهذا ما صار عليه المُفسِّرُ، لكن هناك احتمالٌ آخرُ، فالإساءة إِلَى قومه إساءةٌ له، فكأنَّه يؤكِّد نفيَ النعمةِ، يعني: أين النعمة وأنت قد