ويمكن الجمع: بأنه أول ما أتاه جبريل وهو بغار حراء، وجاءه على صورة رجل وأنزلت اقرأ فيه على ما ساقه البخاري، ثم عقب ذلك أتاه جبريل بصورته المذكورة وفعل به ما فعل، وأعاد عليه القراءة، ليطيب بذلك قلبه، ويتيقن أن ذلك حق لا مرية فيه، وأن الآتي بالوحي يتشكل بأشكال مختلفة، في الأولى أتاه في صورة رجل، وفي هذه المرة أتاه في هذه الصورة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أقرأ وما قرأت قط)، ظن أنه يريد ليقرأه غير ما تقدم في حراء. وقوله: (قط) مبالغة في عدم المعرفة.
وأيضاً فكان نزول (اقرأ) في هذه القصة ليس مقصوداً، بل المقصود تعليمه الوضوء والصلاة - كما تقدم في آخر الحديث - ويكون معنى أولية رؤية جبريل أولية مخصوصة، وهو رؤيته له على هذه الصفة. وتكرر نزول السورة ليس ممنوعاً، ويدل لهذا الحمل ما روي أن جبريل عليه السلام أتاه في يوم الثلاثاء ثاني مبعثه فوافاه بأعلى مكة، فهمز جبريل بعقبة إلى ناحية الوادي، فنبعت عين ماء، فتوضأ جبريل وأرى النبي ﷺ الوضوء، ثم قام فصلى به ركعتين.
فلعل الحديث المتقدم كان في هذا اليوم وهذا من تمامه، فحينئذ يصح الجمع.