وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذًا بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء.
فنقول: ذكر الآية بعد الأخرى إما أن يكون ظاهر الارتباط، لتعلق الكلام بعضه ببعض وعدم تمامه بالأولى فواضح. وكذلك إذا كانت الثانية للأولى على وجه التأكيد أو التفسير أو الاعتراض أو البدل؛ وهذا القسم لا كلام فيه.
وإما ألا يظهر الارتباط، بل يظهر أن كل جملة مستقلة عن الأخرى، وأنها خلاف النوع المبدوء به.
فإما أن تكون معطوفة على الأولى بحرف من حروف العطف المشتركة في الحكم أو لا.
فإن كانت معطوفة فلا بد أن يكون بينهما جهة جامعة على ما سبق تقسيمه كقوله تعالى: ﴿يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها﴾ [الحديد: ٤]، وقوله تعالى: ﴿والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون﴾ [البقرة: ٢٤٥]، للتضاد بين القبض والبسط، والولوج والخروج، والنزول والعروج، وشبه التضاد بين السماء والأرض.
ومما فيه التضاد ذكر الرحمة بعد ذكر العذاب والرغبة بعد الرهبة؛ وقد جرت عادة القرآن إذا ذكر أحكامًا ذكر بعدها وعدًا ووعيدًا، ليكون باعثًا على العمل بما سبق، ثم يذكر آيات توحيد وتنزيه ليعلم عظم الآمر والناهي، وتأمل سورة (البقرة) و (النساء) و (المائدة) تجده كذلك.
وإن لم تكن معطوفة، فلا بد من دعامة تؤذن باتصال الكلام؛ وهي قرائن معنوية تؤذن بالربط.