والثاني: معنى منضم إليه يفصله عن غيره، كضرب زيد، فإنه أخص من مطلق الضرب، فإذا قلت: ضربت زيداً، أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصاً لما انضم إليه منك ومن زيد.
وهذه المعاني الثلاثة - أعني مطلق الضرب، وكونه واقعاً منك، وكونه واقعاً على زيد - قد يكون قصد المتكلم بها ثلاثتها على السواء. وقد يترجح قصده لبعضها على بعض، ويعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه، فإن الابتداء بالشيء يدل على الاهتمام به، وأنه هو الأرجح في غرض المتكلم؛ فإذا قلت: زيداً ضربت؛ علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود.
ولا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان، فقد يقصد من جهة عمومه، وقد يقصد من جهة خصوصه، والثاني هو الاختصاص، وأنه هو الأهم عند المتكلم، وهو الذي قصد إفادة السامع من غير تعرض ولا قصد لغيره بإثبات ولا نفي، ففي الحصر معنى زائد عليه، وهو نفي ما عدا المذكور. وإنما جاء هذا في ﴿إياك نعبد﴾ [الفاتحة: ٥]، للعلم بأن قائليه لا يعبدون غير الله تعالى؛ ولذا لم يطرد في بقية الآيات، فإن قوله تعالى: ﴿أفغير دين الله يبغون﴾ [آل عمران: ٨٣]، لو جعل في معنى: ما يبغون إلا غير دين الله، وهمزة الإنكار داخلة عليه، لزم أن يكون المنكر الحصر، لا مجرد بغيهم غير دين الله، وليس المراد. وكذلك: ﴿ءالهةً دون الله تريدون﴾ [الصافات: ٨٦]، المنكر إرادتهم آلهاً دون الله من غير حصر.
وقد قال الزمخشري في قوله تعالى: ﴿وبالأخرة هم يوقنون﴾ [البقرة: ٤]: في تقديم «الآخرة» وبناء «يوقنون» على «هم» تعريض بأهل الكتاب وما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة، على خلاف حقيقته، وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأن اليقين ما عليه من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك.
وهذا الذي قاله الزمخشري في غاية/ الحسن، وقد اعترض عليه بعضهم