فقال: تقديم «الآخرة» أفاد أن إيقانهم مقصور على أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها، وهذا الاعتراض من قائله مبني على ما فهمه من أن تقديم المعمول يفيد الحصر، وليس كذلك؛ ثم قال المعترض: وتقديم «هم» أفاد أن هذا القصر مختص بهم، فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيماناً بغيرها حيث قالوا: ﴿لن تمسنا النار﴾ [البقرة: ٨٠]. وهذا منه أيضاً استمرار على ما في ذهنه من الحصر، أي أن المسلمين لا يوقنون إلا بالآخرة، وأهل الكتاب يوقنون بها وبغيرها.
[وهذا] فهم عجيب ألجأه [إليه] فهمه الحصر، وهو ممنوع. وعلى تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام:
أحدها: «بما» و «إلا»، كقولك: ما قام إلا زيد، صريح في نفي القيام عمن غير زيد، ويقتضي إثبات القيام لزيد، قيل: بالمنطوق، وقيل: بالمفهوم وهو الصحيح، لكنه أقوى المفاهيم؛ لأن «إلا» موضوعة للاستثناء، وهو الإخراج، بدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم، ولكن الإخراج من عدم القيام ليس هو غير القيام، بل قد يستلزمه، فلذلك رجحنا أنه بالمفهوم، والتبس على بعض الناس لذلك فقال: إنه بالمنطوق.
والثاني: الحصر بـ «إنما» وهو قريب من الأول فيما نحن فيه، وإن كان جانب الإثبات فيه أظهر، فكأنه يفيد إثبات قيام زيد، إذا قلت: إنما قام زيد، بالمنطوق، ونفيه عن غيره بالمفهوم.
الثالث: الحصر الذي/ قد يفيده التقديم؛ وليس هو على تقدير تسليمه مثل الحصرين الأولين، بل هو في قوة جملتين:
إحداهما: ما صدر به الحكم نفياً كان وإثباتاً، وهو المنطوق، والأخرى: ما فهم من التقديم، والحصر يقتضي نفي المنطوق فقط، دون ما دل عليه من المفهوم - لأن المفهوم - لا مفهوم له؛ فإذا قلت: أنا لا أكرم إلا إياك، أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره، ولا يلزم أنك لا تكرمه، وقد قال تعالى:


الصفحة التالية
Icon