﴿فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقامٍ كريمٍ * كذلك وأورثناها بني إسرائيل﴾ [الشعراء: ٥٧، ٥٩]، فهذه الآية تقتضي بقاء آثارهم وبيوتهم، والآية السابقة تقتضي إهلاك آثارهم وذهابها؟
الجواب: أن الآية الأولى محمولة على المجاز ﴿ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه﴾ من التدبير والإضلال ﴿وما كانوا يعرشون﴾ من الحيلة وغير ذلك، والآية الأخرى على الحقيقة، أو أن التدبير في الآية السابقة راجع إلى ما اخترعه فرعون وجبابرة قومه من المساكن الهائلة والأبنية الشامخة كقوله تعالى: ﴿يا هامان ابن لي صرحًا لعلي أبلغ الأسباب﴾ [غافر: ٣٦]، والآية الأخرى فيما أورثه الله تعالى بني إسرائيل من دور القبط ومساكنهم الذين هم قوم فرعون، فلا تعارض، وقد تقدم في «نفي ما يوهم التعارض» جانب من الآيات تشبه هذه الآية.
فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: ﴿ذلك قولهم بأفواههم﴾ [التوبة: ٣٠]، والقول لا يكون إلا بالأفواه؟ فالجواب: الإعلام بأن ذلك مجرد قول لا أصل له، وظهر من ألسنتهم لم يستندوا فيه إلى عقل راجح ولا نقل.
فإن قلت: كيف قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿قل لو شاء الله ما تلوته عليكم﴾ [يونس: ١٦]، وقال في آية أخرى: ﴿لو شاء ربك ما فعلوه﴾ [الأنعام: ١١٢]، وقال في آية أخرى: ﴿أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا﴾ [الرعد: ٣١]، وأنكر على من قال ذلك في آية أخرى، فقال تعالى: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيءٍ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيءٍ كذلك