النوع السادس والعشرون بعد المائة
إعجاز القرآن
اعلم -أيدنا الله وإياك- أن الله تبارك وتعالى تجلى بصفة الكلام الذاتي على قلب سيدنا محمد ﷺ وأنزل عليه القرآن، فاستغرق في حال الخطاب وذهب بشريته، وتلاشت جسمانيته، وانتعشت صفات روحانيته، فسمع الخطاب الإلهي والحديث الرباني بلفظه ومعانيه وحقيقته ومبانيه، فلما رجع إلى عالم البشرية، وعاد إلى مدارك الكون، نطق بها ألقي إليه، وتكلم بما أنزل عليه، فجاء كلامه بخلعه القدسي الرحماني، وخطابه بلسان الوصف السبحاني، فلهذا يفنى الدهر وحلاوته باقية، وتذهب العصور وطلاوته دائمة تزداد فصاحة كلما تكرر، وتتجدد بلاغة كلما تقرر، تخشع الأجسام لهيبته، وتخضع النفوس لجلالته، وتركع العقول لبهائه، وتسجد الأفكار لعلاه، وتسرح الأرواح في رياض جله، وتمر الأسرار في ميادين جماله، كيف لا؛ وهو في حضرة الفيض والنور، وفي مقام القدس والسرور، فلن يستطيع متكلم أن يلبس كلامه القدسي، ومن أين الناطق أن يكسو نطقه البهاء والثناء، فلما ألبسه الحق جل شأنه من الجلالة والهيبة والعلو والرفعة والكمال ترى له صولة ودولة في المنطق أي دولة، كلما قرئ استفيد منه المعاني النفسية،


الصفحة التالية
Icon