والثاني: ما يتلقى بجواب القسم، كقوله: [عز من قائل]: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس﴾ [آل عمران: ١٨٧]، ﴿وأقسموا بالله جهد إيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن﴾ [النور: ٥٣].
وقال غيره: أكثر الأقسام في القرآن المحذوفة الفعل لا يكون إلا بالواو، فإذا ذكرت الباء أتي بالعل، كقوله [تعالى]: ﴿وأقسموا بالله﴾ [النور: ٥٣]، ﴿يحلفون بالله﴾ [التوبة: ٦٢]، ولا تجد الباء مع حذف الفعل، ومن ثم كان خطأ من جعل قسمًا [قوله تعالى]: ﴿بالله إن الشرك لظلم﴾ [لقمان: ١٣]، ﴿بما عهد عندك﴾ [الزخرف: ٤٩]، ﴿بحق إن كنت قلته فقد علمته﴾ [المائدة: ١١٦].
قال ابن القيم: أعلم أنه سبحانه وتعالى يقسم بأمور على أمور، وإنما يقسم بنفسه [المقدسة] الموصوفة بصفاته، وبآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وأقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم [آياته]، فالقسم إما على جملة خبرية- وهو الغالب-، كقوله [تعالى]: ﴿فورب السماء والأرض إنه لحق﴾ [الذاريات: ٢٣]. وإما على جملة طلبية كقوله [عز من قائل]: ﴿فوربك لنسئلنهم أجمعين (٩٢) عما كانوا يعملون (٩٣)﴾ [الحجر: ٩٢]، مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد به تحقيق القسم؛ فالمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلا بد أن يكون مما يحسن فيه ذلك، كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها.


الصفحة التالية
Icon