اعلم أن قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- المذكورة في القرآن كلها مواعظ، ولذا قال تعالى شأنه: ﴿وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت له فؤادك﴾ [هود: ١٢٠].
قال الشيخ الإمام العارف الكبير الشيخ أبو صالح عبد القادر الجيلاني -قدس الله سره- في مواعظ:

فصل: في قصة آدم -عليه صلوات الله وسلامه-:


لما سمعت الملائكة بآذان العقول قوله تعالى: ﴿إني جاعلٌ في الأرض خليفةً﴾ [البقرة: ٣٠] ولمع لها من أفق العناية به، المجعول بيده ﴿فإذا سويته ونفخت فيه من روحي﴾ [الحجر: ٢٩، وص: ٧٢]، قالت: إلهنا أين تكون هذه الخليفة؟ قال: في نقطة خط الأرض، قالت بلسان الاعتراض: ﴿أتجعل فيها﴾ [البقرة: ٣٠]، كيف لمع هذا البارق من سحاب التراب؟ هل التراب إلا محل الظلمة؟ هل الصلصال إلا مركز العيب لا الغيب؟ ألهنا نحن رهبان صوامع الأعلى، نحن شيوخ صفة الصفا، نحن سكان ربط مقام يسبحون الليل والنهار، قال لهم مجيب القدر: خطأ فاسد في نظركم في تأملكم، أما علمتم أن في الأرض معدن الياقوت، وأن الجواهر من أنهارها تستخرج، وأن أشخاص الأنبياء من معادنها أخرجت، وأن غرائب أسرار القوم في كنوزها دفنت، وجسد الصفي آدم من عناصرها ركبت، فلما استخرج القدر شكل الفتى من نقطة. ﴿إني خالق بشرًا﴾ [الحجر: ٢٨، وص: ٧١] ويده على صفحة لوح الكون بيد ﴿فإذا سويته﴾ [الحجر: ٢٩، وص: ٧٢]، وصار ذاتًا آدميًا بسابق علم ﴿فعال لما يريد﴾ [هود: ١٠٧، والبروج: ١٦]، ووضع طفله في حجر اصطفى آدم وربي في مهد ﴿وعلم آدم الأسماء﴾ [البقرة: ٣١]. ذات الملائكة ذاتًا


الصفحة التالية
Icon