يبنك وبين ربك، حضرية طاهرة لا توطأ بأقدام متلوثة بمخالفة المحبوب، هكذا سبب هجرة كيف باجتهاد سهام تدرك لا يدفع بذرع الحيل، ما عصيتك جرأة عليك بل غفلة، وما خالفت أمرك إلا لأمر كتب علي. فهل يا آدم أنين العاصين أحب إلي من زجل المسبحين، الاعتراف بالذنب كفارته، ﴿وإني لغفار لمن تاب﴾ [طه: ٨٢] قد كتبت لك قبل زلة، وعصى مكتوب، ﴿فتاب عليه﴾ [البقرة: ٣٧]، وقلنا قبل خلقك عذرًا عنك: ﴿فنسى ولم نجد له عزمًا﴾ [طه: ١١٥].
وقال -رضي الله تعالى عنه- في شأن موسى -صلوات الله وسلامه عليه-: طفل نشأ في مهد عهد القوم صغيرًا، فغذي بلبن ﴿ولتصنع على عيني﴾ [طه: ٣٩] صبي ربي في حجر ﴿واصطنعتك لنفسي (٤١)﴾ [طه: ٤١]، ألقي في التابوت شبه من يموت فدفنته أمه في اليم خوفًا من فتنة ذبح، وقعه في كفالة عدوه بواسطة ﴿قرت عين لي ولك﴾ [القصص: ٩]، ورده إلى أمه بسفارة ﴿لا تقتلوه﴾ [القصص: ٩]، وسلم من القتل بمغالطة ﴿عسى أن ينفعنا﴾ [القصص: ٩]، طفل عقله لرؤية عجائب الكون عرف الخالق بنور ﴿اشرح لي صدري﴾ [طه: ٢٥]، وما كان جاهلًا بثبوت أحكام القادر؛ فإن الأنبياء عليهم السلام فطروا على نور المعرفة، وجعلت أرواحهم على توحيد صانع الوجود، وإثبات وجود واجب الوجود، وتنطعت في مرآة علمه أشكال الأكوان صار نورًا في فتور حدقة الزمان، وخطب له خطيب ﴿آتيناه حكمًا﴾ [القصص: ١٤]، حرك القدر ساكن عزمه ونبه مريد الأمر المقضي نائم فكره، فانصب سنين سحابًا إلى شعب شعيب، فأنبت له في أرض مدين نبات ﴿إني أريد أن أنكحك﴾ [القصص: ٢٧] أثمر ثمر، ﴿فلما قضى موسى الأجل﴾ [القصص: ٢٩] صارت بينهما نسبة النبوة وألفة المصاهرة، فلما خرج بأهله وقد استبان وضع الجبل، والليل كسواد


الصفحة التالية
Icon