حدق حور الجنة، والريح تشير عبرات عيون السحوب، وسيوف البرق تسل في غمد الغمائم، وأسود الرعود تزمجر في غابات فطابت، وطرأ نادى إليه من الفطر ليقدح لزوجته من زبد الظلام شرارًا، ويطلب في أكناف السوار المقدس نارًا، هذا والغرام غريم سره، والوجد نديم روحه، والشوق سمير قلبه، والتسوق جليس فؤاده، والهوى حشو صدره، فلاح له النور في معرض نصب لاصطياد طائر روحه شباك ﴿إنني أنا الله﴾ [طه: ١٤]، رأى سطرًا من سطور لوح القدر فجلت لفراش روحه شمعة الطور وقعت رجل عقله في شرك أنس أفرغ في كأس سمعه صرف شراب ﴿لا إله إلا أنا﴾ [طه: ١٤]، أسكره بأمراض شرب موام، ﴿وكلمه ربه﴾ فيه نشوات الشوق فطاحت به طوائح أمواج بحار، لؤلؤ غلب على قلبه هيمان العق خرفت لذة التكلم ما قد سمعه، حتى وصلت إلى بصره، فطلب البصر نصيبه من النظر وافقه فوق القلب فقال: ﴿رب أرني أنظر إليك﴾ [الأعراف: ١٤٣].
قيل: يا موسى انظر أولًا إلى إزاء الجبل بوجهك، ذهبت ثيابك على محك فإن استقر أعبر سكونك عند حركة الصخور لهيبة تجلى، فما دست به أجزاء الطور عند أشراف لمعان ذلك النور، وتعطرت أشجار الوادي المقدس بنسيم القرب، وتأرجت رياض البقعة المباركة ببهجة وقت الوصل، وصارت هضبات الطور حدائق لأجل تجلى، وامتلأت جنباته بالملائك استعطافًا لقوله: ﴿أرني﴾ [الأعراف: ١٤٣]، وقامت أرواح الأنبياء تترصد ما يكون، بعد هذا سمع كلامًا، لا ككلام البشر، خاطبه من ليس من جنس المحدثات، نودي من جميع آفاق جهات الموجود، صارت جملته سمعًا وبصرًا فتلف بعين سره إلى الطور، وقع شعاع نور عين عقله على لموع نور مرآة الجبل، انعكست أشعة


الصفحة التالية
Icon