كفاية عن فكرة من بعده، وما لم يرد عنه بيانه، ففيه حينئذٍ فكرة أهل العلم بعده؛ ليستدلوا بما ورد بيانه على ما لم يرد. قال: وقد يكون المراد به: من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه، فيكون موافقته للصواب -إن وافقه من حيث لا يعرفه- غير محمودة.
وقال الماوردي: قد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهره، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده، ولو صحبتها الشواهد [ولم يعارض شواهدها] نص صريح، وهذا عدول عما تعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام [منه]، كما قال تعالى: ﴿لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ [النساء: ٨٣]، ولو صح ما ذهب إليه لم يعلم شيء بالاستنباط، ولما فهم الأكثرون من كتاب الله شيئًا، وإن صح الحديث فتأويله: أن من تكلم في القرآن بمجرد رأيه ولم يعرج على سوى لفظه وأصاب الحق فقد أخطأ الطريق، وإصابته اتفاق؛ إذ الغرض أنه مجرد رأي لا شاهد له.
وفي الحديث: «القرآن ذلول ذو أوجه فاحملوه على أحسن وجوهه» أخرجه أبو نعيم وغيره من حديث ابن عباس، فقوله: «ذلول» يحتمل معنيين: أحدهما: أنه مطيع لحامله تنطق به ألسنتهم.
والثاني: أنه موضح لمعانيه حتى لا يقصر عنه أفهام المجتهدين.
وقوله: «ذو أوجه» يحتمل معنيين: أحدهما: أن من ألفاظه ما يحتمل وجوهًا من التأويل.
ثانيهما: أنه قد جمع وجوهًا من الأوامر، والنواهي، والترغيب، والترهيب، والتحليل، والتحريم.
وقوله: «فاحملوه على أحسن وجوهه»، [يحتمل] على معنيين:


الصفحة التالية
Icon