الوجه الثاني: أن القرآن نعمة عظيمة على حملته، فحقيق بمن قرأه وختمه أن يحمد الله تعالى عليه، ويشكره على ذلك بقدر جهده، ولكنه لو عمد التالي إلى أنه يخترع لهذا الحمد ألفاظاً من قبل نفسه، لم يستطع أن يثني على الله بمثل ما أثنى به على نفسه، كيف ورأس الحامدين ﷺ يقول: «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
فكان الجزم للحامد أن يلجأ في الحمد إلى [ما فرضه] الله تعالى لنفسه من المحامد، وقد علمه عباده فيحمده به، فتلاوته لهذه السورة العظيمة شكراً لله تعالى، وحمداً له على أبلغ وجه وأكمله، [إذ] فيها الحمد على نعمة القرآن بالقرآن الذي هو كلام الله، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه، وأين ذلك ممن يخترعه التالي لنفسه.
الوجه الثالث: ما ورد في استحباب الدعاء عند التلاوة، وعند الختم للقرآن، ومجالس الذكر، و (الفاتحة) قد تضمنت صريح الدعاء، وهو الدعوة العظيمة الشاملة الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وذلك قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] إلى آخره، وتضمنت الدعاء بالتعريض، وذلك لما فيها من الحمد والثناء على طريق قوله:
إذا أثنى عليك المرء يوماً | كفاه من تعرضه الثناء |
الوجه الرابع: في ختم القرآن بها وقد كان افتتاحه بها تحققاً بمعنى قوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ [الانشراح: ٧]، على أن تأويله: فإذا فرغت من العبادة فاشرع فيها، وهو معنى الحال المرتحل أيضاً.