الفصل الأول
مهاد عام حول علوم القرآن
توطئة
لقد فصل أبو شهبة في كتابه، المدخل لدراسة القرآن الكريم، المعنى المقصود بعلوم القرآن (١)، إذ بدأ أولا بكلمة علوم، فذكر أن معنى العلم _مفرد علوم_ في اصطلاح أهل التدوين، "جمله من المسائل المضبوطة بجهة واحدة" (٢)، والعلم في اللغة نقيض الجهل، وهو مصدر مرادف للفهم والمعرفة والإدراك، ويراد به إدراك الشيء على حقيقته، ثم نُقل بمعنى المسائل المختلفة المضبوطة ضبطاً علمياً والمتعلقة بعلم ما، ومن أحسن ما قيل في كلمة العلم أنها أشهر من أن تعرف.
وإن تعريف القرآن عند الأصوليين والفقهاء "هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، المعجز بلفظه، المتعبد بتلاوته، المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس" (٣). تخصيص التعريف بهذا الشكل يخرج منه الكتب السماوية الأخرى _التي لم تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وتخرج أيضا الأحاديث القدسية التي هي أيضا لفظا من الله تعالى، لكنها غير معجزة ولا يتعبد بتلاوتها (٤).
أما المركب الإضافي، علوم القرآن، فمكون من كلمتين، كلمة علوم وقرآن.
وقد عرف الكفافي والشريف علوم القرآن بأنه (٥): علم أو دراسة تدور حول أي جانب من جوانب القرآن الكريم، وهذا يتضمن علوم كثيرة مثل علم: رسم القرآن، إعراب القرآن، تفسير القرآن، أسباب النزول، المكي والمدني، الناسخ والمنسوخ، غريب القرآن، القراءات، فضل القرآن، الأحرف السبعة، مجاز القرآن، أقسام القرآن، أمثال القرآن، حجج القرآن، نزول القرآن وتنجيمه، جمع القرآن وكتابته، المصاحف العثمانية، فواتح السور، المحكم والمتشابه، إعجاز القرآن، تشبيه القرآن واستعاراته، الإعجاز في نغم القرآن، ترجمة القرآن، ترتيب القرآن، العام والخاص، المطلق والمقيد، المنطوق والمفهوم، جدل القرآن، قصص القرآن، وغيرها (٧).
وأوضح الدكتور زرزور (٦) أن هذه العلوم من الأجدر أن تسمى"علوم التفسير" أو "علوم تفسير القرآن"، لأن غرضها الرئيسي إنما هو لتسهيل فهم وتفسير القرآن. وقد دعم رأيه هذا بأن كتب التفسير الكبيرة عادة ما تشتمل على مقدمة تذكر فيها أهم هذه العلوم قبل البدء بالتفسير، أمثال كتاب الطبراني والأصفهاني. وأفضل كما ذكرت بالمقدمة، تقسيم محاور هذه العلوم الى: العلوم للمحافظة على المحتوى، العلوم للمحافظة على القراءة، والعلوم للمحافظة على التفسير، والعلوم لإظهار الإبداع القرآني.
والقرآن في اللغة: اختلفت فيه أقوال العلماء هل هو مصدر أم وصف؟ ثم هل هو مهموز أم غير مهموز؟
والذي نختاره أنه مصدر مهموز على وزن فُعلان بالضم كالغفران، والشكران، من قرأ يقرأ قراءةً، وقرآناً، ويشهد لهذا الاختيار ورود القرآن بمعنى القراءة في قوله تعالى ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)﴾ [القيامة: ١٧ - ١٨] أي: قراءته عليك حتى تعييه (٨).
(٢) المصدر السابق.
(٣) المدخل لدراسة القرآن الكريم. أبو شهبة، مرجع سابق، ص ٢٠.
(٤) المصدر السابق.
(٥) الكفافي، د. محمد عبد السلام والأستاذ الشريف، عبد الله، في علوم القرآن دراسات ومحاضرات، بيروت_لبنان، دار النهضة العربية، ١٩٧٢، ص ٢٧.
(٦) د. الصالح، صبحي، مباحث في علوم القرآن، الطبعة الخامسة والعشرون، بيروت_لبنان، دار العلم للملايين، ٢٠٠٢ م، والقطان، مناع، مباحث في علوم القرآن، الطبعة الثانية، الرياض، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ١٤١٧ هـ/١٩٩٦ م.
(٧) د. زرزور، عدنان محمد، فصول في علوم القرآن، الطبعة الأولى، بيروت_لبنان، المكتب الإسلامي، ١٤١٩ هـ/١٩٩٨ م، ص ١٠.
(٨) انظر: تفسير السمعاني: ١١٥٥، وتفسير الطبري: ٢٣/ ٤٩٩.