١٢١]، وقوله: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]، قيل مردة الجن وقيل مردة الإنس (١) (٢).
واشتقاقه من (شطن) هو القول الراجح، وذلك لأنَّها أقرب إلى وصف أعمال الشيطان التي تَهدف إلى إبعاد الناس عن عمَل الخير واتِّباع الحق، "لأنَّ اشتقاق الشيطان من شطن، بمعنى: بَعُد عن الخير ومال عن الحقِّ - أقرب إلى الحقيقة من اشتقاقه من شاط، بمعنى: احترق، ذلك أنَّ عمل الشيطان هو إبعاد الناس عن الحقِّ، والذي يبعد الناس عن الحقِّ والخير يكون هو بعيدًا عنه" (٣).
والجن لغة: اسم جنس جمعي، واحده جني، وهو مأخوذ من الاجتنان، وهو التستر والاستخفاء. وقد سموا بذلك لاجتنانهم من الناس فلا يرون (٤)، والجمع جنان، وهم الجنة (٥).
وكل شيء وقيت به نفسك، واستترت به فهو جنة، ومنه قول النبي - ﷺ - فيما أخرجه البخاري في كتاب الصوم: "والصيام جنة" أي وقاية، حيث يقي صاحبه من المعاصي.
وسمي الجنين جنينًا لاستتاره في بطن أمه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ [النجم: ٣٢] (٦).
وسميت الجنة – بفتح الجيم – بذلك لكثرة شجرها، بحيث يستر بعضها بعضًا (٧).
وأما الجن اصطلاحًا فهم: نوع من الأرواح العاقلة المريدة المكلفة على نحو ما عليه الإنسان، مجردون عن المادة، مستترون عن الحواس، لا يرون على طبيعتهم وصورتهم الحقيقية، يأكلون ويشربون ويتناكحون، ولهم ذرية، محاسبون على أعمالهم في الآخرة (٨).
فإن قال قائل: وما الفرق بين الجن والشياطين؟
فالجواب: أن الشياطين هم مردة الجن، ومنه قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ... ﴾ [البقرة: ١٠٢] الآية.
وواحد الشياطين: شيطان، مأخوذ من شطن بمعنى بعد ولا يقتصر هذا اللفظ على مردة الجن فقط، بل يطلق كذلك على كل عارم ومؤذ من الجن والإنس، قال الله تعالى: {شَيَاطِينَ

(١) مفردات غريب القرآن، الراغب الأصفهاني: ٢٦١.
(٢) عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة، عبدالكريم عبيدات: ٤٦٢.
(٣) التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن - د. عودة خليل أبو عودة - مكتبة المنار - الأردن، ص (٤٧٨).
(٤) أي لا يرون على طبيعتهم وصورتهم الحقيقة كما سيأتي في تعريفهم، وبذلك يعلم عدم التعارض بين هذا القول، وما ورد أنهم يتشكلون في صور البشر، والحيات والكلاب وغير ذلك وبذلك يفهم قول الشافعي: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته: أخرجه أبو نعيم في الحلية: (٩/ ١٤١) فإنه يريد على طبيعتهم وصورتهم الحقيقية.
(٥) انظر القاموس المحيط: ص ١٥٣٢، مادة (جنن)، ولسان العرب: (١٣/ ٩٥).
(٦) انظر المفردات: ص ٩٨.
(٧) انظر تهذيب اللغة: للأزهري (١٠/ ٤٩٩).
(٨) انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل: لابن حزم (٥/ ١٢)، وفتح الباري: (٦/ ٣٤٤)، وفيض القدير: (١/ ١١٣)


الصفحة التالية
Icon