وأما المعنى العام فيراد به كل مخلوق عات متمرد من الإنس، والجن، والدواب، فأما من جانب الجن والإنس فهو التمرد والعصيان لأمر الله، ومحاولة بذر الفساد في الأرض بشتى صوره وأشكاله قال تعالى: ﴿شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١١٢]. وأما من جانب الدواب فهو الخبث والأذى الذي تميزت به عن جنسها..
وأمَّا (إبليس): فهو ذلك المخلوق من النار، والذي كان يجالس الملائكة ويتعبد معهم، وليس من جنسهم كما سيأتي، وقام بعمله ما شاء الله أن يقوم، ثمَّ نازع ربَّه الكبرياء والعظمة، فاستكبر عن طاعته، وعصى ربَّه، فطرده من رحمته ومن وظيفته، فهبط إلى الأرض، وأصبحت الشيطنة صفة له (١).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن الإمام الفاروق عمر-رضي الله عنه-: " قال عمر بن الخطاب -رحمة الله عليه-، وركب بِرذَوْنًا فجعل يتبختر به، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترًا، فنزل عنه، وقال: ما حملتموني إلا على شيطانٍ! ما نزلت عنهُ حتى أنكرت نَفسي" (٢).
وإبليس له ذريَّة بصريح القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي﴾ [الكهف: ٥٠]، فإبليس من الجنِّ المخلوقين من نار السَّموم، وإنَّه ليرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، وقد فسَق عن أمر ربِّه، وهو رأس الشياطين والمتمرِّدين، وجمعه: أباليس وأبالسة (٣).
إذًا، إبليس هو الاسم العَلَم لهذا المخلوق المتمرِّد، والشيطان صِفة له ولغيره.
وكان إبليس يجالس الملائكة ويتعبد معهم، وليس من جنسهم كما سيأتي، فلما أمر الله ملائكته بالسجود لآدم خالف أمر ربه بتكبره على آدم لادعائه أن النار التي خلق منها خير من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام، فكان جزاء هذه المخالفة أن طرده الله عن باب رحمته، ومحل أنسه، وحضرة قدسه، وسماه إبليس إعلاماً له بأنه قد أبلس من الرحمة، وأنزله من السماء مذموماً مدحوراً إلى الأرض، فسأل الله النظرة إلى يوم البعث، فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه، فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى (٤)، وقال: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: ٨٢ - ٨٣]، وكما قال عز وجل عنه: ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٦٢]، وهؤلاء هم المستثنون في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ [الإسراء: ٦٥].
وإبليس واحد من الجن، وهو أبو الشياطين والمحرك لهم لفتنة الناس وإغوائهم، وقد ذكره الله في قصة امتناعه من السجود لآدم وذلك كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٣٤]، وقد أطلق عليه القرآن اسم الشيطان في مواضع، منها قوله تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠]، وقوله: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء

(١) انظر: تفسير الطبري - الطبري ج (١)، ص (٢٢٦)، ومختصر تفسير ابن كثير: ٣/ ٢٠٩، والمفردات - الأصفهاني، ص (٦٠)، وانظر: شواهد في الإعجاز القرآني - د. عودة أبو عودة، ص (٢٢٧).
(٢) تفسير الطبري (١٣٦): ص ١/ ١١١.
(٣) انظر: المعجم الوسيط ج (١)، ص (٣).
(٤) مختصر تفسير ابن كثير: ٣/ ٢٠٩.


الصفحة التالية
Icon