وقد قيل: إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحَسَن، ولا آمر به في
شيء من الصلاة، أمرتُ به في أول ركعة.
وإن تركه – [قول: الاستعاذة]- ناسياً أو جاهلاً أو عامداً، لم يكن عليه إعادة، ولا سجود سهو. وأكره له تركه عامداً، وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها [من الركعات]، وإنَّما منعني أن آمره أن يعيد؛ أن النبي - ﷺ - علم رجلاً ما يكفيه في الصلاة فقال: "كبر ثم اقرأ بأم القرآن" الحديث (١).
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يُروَ عنه أنه - ﷺ - أمره بتعوذ ولا افتتاح. فدل على أن افتتاح رسول الله - ﷺ - اختيار، وأن التعوذ مما لا يفسد الصلاة إن تركه" (٢).
قال ابن كثير: "وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة، يأثم تاركها، وقال النووي: ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب، وهو مستحب لكل قارئ، سواء كان في الصلاة أو في غيرها" (٣).
ويدل على عدم الوجوب:
أولا: حديث أنس قال النبي - ﷺ - "أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفاً سُورَةٌ فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ: رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ " (٤)، ولم يذكر الاستعاذة.
ثانيا: ولأن النبي - ﷺ - لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة (٥).
قال الإمام الجصاص (٦): "والاستعاذة ليست بفرض، لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة، ولو كانت فرضًا لم يخله من تعليمها" (٧)، وقال الإمام ابن الجزري - رحمه الله (٨) -:

(١) الحديث تمامه: عن رفاعة بن رافع الزرقي، قال: "وكان من أصحاب النبي ﷺ، قال: جاء رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم، في المسجد، فصلى قريبا منه، ثم انصرف إليه، فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك، فإنك لم تصل، قال: فرجع فصلى نحوا مما صلى، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك، فإنك لم تصل، فقال: يا رسول الله، كيف أصنع؟ فقال: إذا استقبلت القبلة، فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت، فإذا ركعت، فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك، ومكن لركوعك، فإذا رفعت رأسك، فأقم صلبك، حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، فإذا سجدت، فمكن لسجودك، فإذا رفعت رأسك، فاجلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة". [أخرجه أحمد: (١٩٢٠٦): ص ٤/ ٣٤٠، وأبو داود (٨٥٧)، و (٨٥٩)].
(٢) تفسير الإمام الشافعي: ١/ ١٨٦.
(٣) تفسير ابن كثير: ١/ ١١٣.
(٤) أخرجه المسلم في الصلاة: ١/ ٣٠٠.
(٥) أحكام القرآن للجصاص: ٣/ ١٩١. والحديث أخرجه البخاري (١٠): ص ١/ ٢٠٧، ٢١٦، والمسلم (٤): ص ١/ ٢٩٨.
(٦) انظر: أحكام القرآن: ٥/ ١٣.
(٧) يعني حديث المسيء صلاته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً دخل المسجد ورسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جالس في ناحية المسجد، فصلى ثم جاء فسلم عليه، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ)، فرجع فصلى ثم جاء فسلم، فقال: (وعليك السلام، فارجع فصل، فإنك لم تصل)، فقال في الثانية أو في التي بعدها: علمني يا رسول الله فقال: (إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تستوي قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)؛ صحيح رواه البخاري (٥٨٩٧) (٥/ ٢٣٠٧)، (٧٦٠) (١/ ٢٧٤)، (٧٢٤) (١/ ٢٦٣)، (٦٢٩٠) (٦/ ٢٤٥٥)، ومسلم (٣٩٧) (١/ ٢٩٨).
(٨) النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، ١/ ٢٥٣.


الصفحة التالية
Icon