ذلك كذلك - أنّ ذلك الخصوص الذي في وصفه بالرحيم لا يستحيل عن معناه، في الدنيا كان ذلك أو في الآخرة، أو فيهما جميعًا" (١).
وقال عطاء الخراساني: ": كان الرحمن، فلما اختزلَ الرحمن من اسمه كان الرحمنَ الرحيمَ" (٢).
أراد عطاء أنه لما تسمَّى به الكذابُ مسيلمة - وهو اختزاله إياه، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه - أخبر الله جلّ ثناؤه أن اسمه " الرحمنُ الرحيمُ " ليفصِل بذلك لعباده اسمَهُ من اسم من قد تسمَّى بأسمائه، إذ كان لا يسمَّى أحد " الرحمن الرحيم "، فيجمع له هذان الاسمان، غيره جلّ ذكره. وإنما يتسمَّى بعضُ خَلْقه إما رحيما، أو يتسمَّى رَحمن. فأما " رحمن رحيم "، فلم يجتمعا قطّ لأحد سواهُ، ولا يجمعان لأحد غيره، فكأنّ معنى قول عطاء هذا: أن الله جل ثناؤه إنما فَصَل بتكرير الرحيم على الرحمن، بين اسمه واسم غيره من خلقِه، اختلف معناهما أو اتفقا.
والذي قال عطاءٌ من ذلك غيرُ فاسد المعنى، بل جائز أن يكون جلّ ثناؤه خصّ نفسه بالتسمية بهما معًا مجتمعين، إبانةً لها من خلقه، ليعرف عبادُه بذكرهما مجموعينِ أنه المقصود بذكرهما دون مَنْ سواه من خلقه، مع مَا في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الآخر منهما (٣).
الفوائد:
١ - إثبات اسم من أسماء الله وهو الرحمن المتضمن للرحمة الواسعة: كما قال تعالى ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٧].
وقال تعالى ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨]، وقال تعالى: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦].
٢ - رحمته سبقت غضبه: كما قال - ﷺ -: "إن الله كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي" (٤).
٣ - والله أرحم بعباده من الأم بولدها. كما في حديث عمر أنه قال: "قُدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذْ وجدت صبيًّا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟، قلنا: لا والله، فقال: (الله أرحم بعباده من هذه بولدها" (٥).
٤ - وقد ذهب أكثر العلماء إلى استحبابها قبل الأقوال والأفعال، فبِها بدأ الله كلامه، وكان يبدأ بها النبي ﷺ قبل أكله وشربه وجِماعه ودخوله إلى الخلاء ودخوله إلى البيت وخروجه منه، وغير ذلك.
(٢) أخرجه الطبري (١٤٩): ص ١/ ١٣٠.
(٣) انظر: تفسير الطبري: ١/ ١٣٠.
(٤) رواه البخاري: كتاب التوحيد: (٦٨٧٢).
(٥) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم: (٥٩٩٩)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: (٢٧٥٤).