قال الطبري: "إن الله تعالى ذكره وتقدَّست أسماؤه أدّب نبيه محمدًا ﷺ بتعليمه تقديمَ ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله، وتقدَّم إليه في وَصفه بها قبل جميع مُهمَّاته، وجعل ما أدّبه به من ذلك وعلَّمه إياه، منه لجميع خلقه سُنَّةً يستَنُّون بها، وسبيلا يتَّبعونه عليها، فبه افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم، حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل: " بسم الله "، على من بطن من مراده الذي هو محذوف" (١).
٥ - واتفق العلماء أنها جزء آية من سورة النمل: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: ٢٩ - ٣٠]، وأنها ليست في أول سورة التوبة التي فُضح فيها المنافقون ووُعدوا فيها بأشد العذاب، فلا يليق أن تُبدأ برحمة الله.
٦ - ومنها أن لفظ الجلالة ﴿الله﴾: اسم الله رب العالمين لا يسمى به غيره؛ وهو أصل الأسماء؛ ولهذا تأتي الأسماء تابعة له، قد ورد في اسم الله الأعظم من الأحاديث والآثار والأقوال، نذطر منها (٢):
١ - لاوجود لاسم الله الأعظم لأن اسماءه تعالى كلها عظيمة:
يرى البعض أنه لا وجود لاسم الله الأعظم، بمعنى أن أسماء الله تعالى كلها عظيمة لا يجوز تفضيل بعضها على بعض، ذهب إلى ذلك قوم منهم أبو جعفر الطبري (٣) وأبو الحسن الأشعري وأبو حاتم [بن حبان (٤) والقاضي أبو بكر الباقلاني، ونحوه قول مالك وغيره، لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض وحمل هؤلاء ما ورد من ذكر الاسم الأعظم على أن المراد به العظيم (٥)، وعبارة الطبري اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم.
ويرى الامام السيوطي أن الأقوال كلها صحيحة إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم ولا شيء أعظم منه فكأنه تعالى يقول [كل اسم من أسمائي يجوز وصفه بكونه أعظم فيرجع إلى معنى عظيم (٦).
وقال ابن حبان: الأعظمية الواردة في الأخبار المراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك كما أطلق ذلك في القرآن والمراد به مزيد ثواب الداعي والقارئ (٧).
(٢) انظر: للفتاوى للسيوطي ٣٩٤/ ١.
(٣) أبو جعفر الطبري هومحمد بن جرير الطبري ولد سنة ٢٢٥ هـ وتوفي ٣١٠ هـ (انظر طبقات المفسرين ص ٣٠).
(٤) وابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي الحافظ العلامة صاحب المسند الصحيح توفي ٣٥٤ (الوافي بالوفيات ١/ ٢٧٨)، وهي إحدي الروايات.
(٥) قال المناوي: قيل الاسم الأعظم بمعني العظيم، وليس أفعل التفضيل؛ لان كل اسم من أسمائه عظيم، وليس بعضها أعظم من بعض وقيل هو للتفضيل، لأن كل اسم فيه أكثر تعظيماً لله فهو أعظم من الرب فإنه لا شريك له في تسميته به لا بالإضافة ولابدونها وأما الرب فيضاف للمخلوق) فيض القدير ١/ ٥١٠ رقم ١٠٣١، تفسير بن كثير ١/ ١١ وانظر علوم القران للزركشي ١/ ٤٣٨ وايثار الحق: ٣٢٩ ٍ.
(٦) أنظر: فيض القدير ١/ ٥١٠ والسر القدسي في تفسير آية الكرسي (خطوط) وانظر المقصد الاسني للغزالي ص ١٦٩ والثابت عند استقراء الأحاديث أن النبي - ﷺ - قد أشار إلي مجموعة من الأسماء الحسني أنها متعينة لتكون اسم الله الأعظم ومن قرأ هذه المخطوطة تأكد له ذلك وأكثر هذه الأحاديث صحيحة فكيف يقول السيوطي بعد ذلك، (غذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم) ويؤكد علي أنها التساوي في العظمة.
(٧) انظر فيض القدير ١/ ٥١٠، البرهان في علوم القران ١/ ٤٣٨، وشرح صحيح مسلم ٦/ ٩٣ ونقل عن ابن حبان قوله: أعظم سورة أراد به في الأجر لا أن بعض القرآن أفضل من بعض) البرهان في علوم القران ١/ ٤٣٨ وأجود من هذا ما قاله الزركشي من أن التفاضل واقع بين الآيات والسور والأسماء لنا تضمنته من المعاني
(فالتفضيل إنما هو بالمعاني وكثرتها؛ لا من حيث الصفة وهذا هو الحق) البرهان في علوم القرآن ١/ ٤٣٩ ونقل بن العربي التفضيل•إنما صارت آية الكرسي عظم لعظم مقتضاها فإن الشيء إنما بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته البرهان ١/ ٤٤٢ وانظر مجموع الفتاوى ١٧/ ١٠٦٧ وشفاء العليل ص ٥٨٤