والإفادة من أسلوبه ومعاني كلماته الإفرادية والتركيبية، ويرجع إليه علماء القراءات لتحقيق هدفهم في معرفة كيفية النطق بألفاظه الكريمة.
ذكر الإمام السيوطي في الإتقان: "أن القرآن كلام الله المنزل، ثم أخذ في تفصيل معنى الكلام وكيفية التنزيل، وعقد بعد ذلك فصلاً في تواتر نقل القرآن وذكر أن الأمة متعبدة بفهم معانيه، وإقامة حدوده، وحروفه على الصفة المتلقاه، ثم ذكر أن القرآن معجز، وأخذ في تفصيل القدر المعجز منه" (١)، وعليه فيمكن تلخيص كلامه على مقتضى الحد الجامع المانع فيقال: هو كلام الله المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة جبريل، المتواتر، المعجز، المتعبد بتلاوته وتطبيق أحكامه.
وقال الشوكاني (٢): "القرآن كلام الله تعالى، المنزل على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا نقلًا متواترًا، المتعبد بتلاوته، المتحدى بأقصر سورة منه" (٣)، وهذا التعريف مزيد فيه على ما سبق قوله: "المكتوب في المصاحف" وهذا قيد غير لازم، ولا يشترط في إثبات القرآن أن يكون في المصاحف؛ لأن هذا القيد لا يشمل ما كان محفوظاً في الصدور، والكل يسمى قرآناً سواء كان مكتوباً أو محفوظاً.
وقيل القرآن: "هو الكلام المعجز، المنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته" (٤).
وقيل القرآن: "هو كلام الله المعجز المنزل على خاتم الأنبياء، والمرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمختتم بسورة الناس، والمتحدى بأقصر سورة منه" (٥).
وقولهم في التعريف: "كلام" جنس يشمل كل كلام، خصص هذا الجنس بالإضافة إلى لفظ الجلالة ليخرج كل كلام سوى كلام الله، بيد أن كلام الله منه ما هو متعبد بتلاوته، ومنه غير ذلك، فتكون نسبة التخصيص هنا نسبية بالنسبة لما سوى كلام الله، والكلام صفة لله قائمة به، أثبتها ربنا عز وجل لنفسه، بدون تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل، وعُرِّف القرآن في العقيدة الطحاوية بأنه: "كلام الله، منه بدا، بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر" (٦).
وهذا التعريف فيه زيادة تفصيل في جانب، وخلا من قيود مهمة في جانب آخر، فمثلا قوله: "بالحقيقة": إما أن تكون صفة كاشفة، أو تأكيداً معنوياً وعلى كلا التقديرين دخولها في

(١) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ١/ ١٥٨ - ١٧٠، بتصرف.
(٢) هو محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الإمام العلامة الرباني، ولد في هجرة شوكان سنة ثلاث... وسبعين ومائة وألف من الهجرة، تولى منصب قاضي قضاة القطر اليماني، وكان نابذا للتقليد داعياً للاجتهاد، صاحب التصانيف، توفى عام خمسين ومأتين وألف، انظر: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني ٢/ ٢٠٧، دار المعرفة- بيروت، (بدون). والأعلام للزركلي ٦/ ٢٩٨.
(٣) إرشاد الفحول، محمد بن على الشوكاني ١/ ٨٦، تحقيق: أحمد عزو عناية، دار الكتاب العربي، ط/الأولى ١٤١٩ هـ- ١٩٩٩ م (بتصرف بسيط).
(٤) مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني ١/ ١٥.
(٥) نفحات من علوم القرآن، محمد أحمد معبد ص ١٣، مكتبة طيبة- المدينة المنورة، ط/ الأولى ١٩٨٦ م.
(٦) شرح العقيدة الطحاوية ١/ ٢٥٤، القاضي علي بن علي أبي العز الدمشقي، تحقيق عبدالله عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط/ الثانية ١٤٢٠ هـ.


الصفحة التالية
Icon