[قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا] ﴿الإسراء: ﴾، وقال تعالى:
[وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] ﴿البقرة: ٢٣﴾.
وقوله: "والاعجاز": "فالقرآن كتاب معجز بكليته وبجزئيته بكل وجوه الإعجاز، وهذا الإعجاز للبشرية كلها هو مقصد من مقاصد إنزال القرآن، إثباتاً لرسالة ونبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما أن إعجازه "في فصاحته وبلاغته، وأنباء الغيب، وأخبار الأمم السابقة، وما حواه القرآن من إعجاز علمي، وتشريعي محكم دقيق صالح لكل زمان ومكان" (١).
وقوله: "المتعبد بتلاوته": المأمور بقراءته في الصلاة، وغيرها، ومتعبد بإقامة ألفاظه، وهذا قيد خرجت به الأحاديث القدسية، وهي المسندة إلى الله عز وجل إن قلنا أنها منزلة من عند الله بألفاظها، والأحاديث النبوية، وإن كانت مما نؤجر على قرأتها، واستخراج الأحكام الشرعية منها؛ ولكن لا يصح القراءة بها في الصلاة، ولا متعبدون بإقامة ألفاظها على الصحيح.
وقوله: "المنقول بالتواتر": "المتواتر هو: ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه" (٢)، أي: من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه إلى التابعين وهكذا حتى وصل إلينا دون نقص أو تحريف مصداقاً لقول الله تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] ﴿الحجر: ٩﴾، وهذا قيد خرجت به القراءات المنقولة إلينا بطريق الآحاد، والأحاديث القدسية، وهي المسندة إلى الله عز وجل إن قلنا إنها منزلة من عند الله بألفاظها.
وسوف يتناول البحث في هذا المبحث المحاور الآتية:
أولا: - مفهوم الوحي
الوحي لغة: مصدر وحيْتُ، وأوحيت وحياً، ومعناه الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخطي، وكل ما ألقيته إلى غيرك (٣).
قال الزبيدي: "أوحى إليه: كلمه بكلام يخفيه" (٤).
قال في (المصباح): " الوحي الإشارة، والكتابة، وكل ما ألقيته إلى غيرك ليَعْلمه وَحْي كيف كان قاله ابن فارس وهو مصدر وَحَى إليه يَحِي من باب وعد وأوحى إليه بالألف مثله، وجمعه وُحِيّ، والأصل فُعول مثل فلوس وبعض العرب يقول وحيت إليه ووحيت له، وأوحيت إليه وله ثم غلب استعمال الوحي فيما يُلقى إلى الأنبياء من عندالله تعالى ولغة القرآن الفاشية أوحى بالألف والوَحَا السرعة وَحِيّ مثل سريع وزناً ومعنىً، فعيل بمعنى فاعل، وذكاةٌ وُحِيّةٌ أي سريعة أيضا ويقال وحيت الذبيحة أحيها من باب وعد أيضا ذبحتها ذبحاً وَحِيّاً، ووحّى الدواء الموت توحية عجّله، وأوحاه بالألف مثله، واستوحيت فلاناً استصرخته" (٥).

(١) الواضح في علوم القرآن: ١٦٧، د/ مصطفى ديب البغا ومحي الدين ديب مستو، دار الكلم الطيب ودار العلوم الإنسانية ـ دمشق، ط الأولى ١٤١٧ هـ.
(٢) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ١/ ٢٦٤.
(٣) انظر: اللسان مادة (وحي) ومختار الصحاح، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس ٦/ ٩٣، مادة (وحي)، ومشكل القرآن وغريبه لابن قتيبة ٢/ ١١٢، والمفردات للراغب الأصفهاني (وحي) ٨٥٨ - ٨٥٩، والبرهان: ١/ ٢٨٠، وفتح الباري ١/ ٩، ١/ ١٤.
(٤) تاج العروس: الزبيدي ١٠/ ٣٥٨، مادة: (وحي).
(٥) المصباح المنير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي المصري، مكتبة لبنان، ١٩٨٧ م، ص ٢٥٠.


الصفحة التالية
Icon