السنة الشريفة نفسها كإخباره- ﷺ -وهو المعصوم من الكذب -بأنه قد أوحي إليه القرآن وغيره؛ وأن ما بينه وشرعه-من الأحكام-فإنما هو؛ بتشريع الله تعالى ومن عنده؛ وليس من عنده صلى الله عليه وسلم.
تعذر العمل بالقرآن وحده، إذ لا بد أن تبينه السنة.
السنة نفسها فإن منها ما يقصد به تشريع الأحكام ومنها ما لا يقصد به ذلك.
الإجماع (١).
وأما بالنسبة للإلهام فإنه وإن كان نوعاً من أنواع الوحي فليس له حجة في بناء الأحكام عليه. وذلك لعدة أمور:
١ - لم نجد في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه ما يشير إلى أنه حجة.
٢ - لم يرد عن سلف الأمة الصالح من اعتمده حجة.
٣ - إجماع أمة الإسلام على عدم حجيته.
٤ - لو قبل الناس الإلهام حجة لفتح باب لا يمكن إغلاقه لأن الكمال في الناس مستحيل، كما أن دعوى الإلهام دعوى واسعة تفتح باب الكذب والتزوير.
٥ - قبول الإلهام يفتح بابا للشيطان على الناس.
وهكذا فإن الإلهام ليس حجة في بناء الأحكام عليه، لكن إذا صح الإلهام مع عدم المخالفة للشرع فقد يستفاد منه في بعض الهدايات والله أعلم.
النبي والرسول والفرق بينهما
النبوة لغة: من النبأ، وهو الإخبار؛ وأيضاً هي بمعنى العلو والارتفاع (٢)، وكلُّ رسولٍ نبيّ (٣)؛ والرسول لفظةٌ مشتقّةٌ من الإرسال، وتعني التوجيه والبعث (٤).
أما اصطلاحا: فقد اختلف أهل العلم فيها، وافترقوا على مذاهب:
أولاها: أنه لا فرق بين النبي والرسول، بل هو من قبيل الترادف، فيطلق النبي على الشخص الذي اصطفاه الله لإنذار قومه، والرسول تطلق عليه من جهلة تكليفه بمهمة التبليغ والإرسال. وهو مذهبٌ ضعيف كما نصّ عليه القاضي عياض وبيّنه رحمه الله (٥).
ثانيهما: أن النبي لم يؤمر بالتبليغ، في حين أن الرسول هو المأمور بتبليغ شرعه، وهو قولٌ مخالفٌ للأدلة أيضا، فكلاهما مبلّغٌ عن الله تعالى.
ثالثهما: وهو مذهب جمهور أهل العلم، والذي نرجّحه، أن الرّسول هو المبعوث إلى قومٍ برسالة جديدة وشرعٍ جديد، في حين أن النبيّ هو مذَكِّرٌ لقومه برسالةٍ سابقةٍ، فيكون كلّ رسولٍ نبيّاً، وليس كلُّ نبيٍّ رسولا (٦).
(٢) لسان العرب لابن منظور، الجزء ٧، مادة نبأ.
(٣) فالرسول أخص من النبي، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها، فالنبوة جزء من الرسالة، إذ الرسالة تتناول النبوة وغيرها، بخلاف الرسل فإنهم لا يتناولون الأنبياء وغيرهم، بل الأمر بالعكس. فالرسالة أعم من جهة نفسها، وأخص من جهة أهلها"٢٤ ولننتقل الآن لبيان أجناس وأنواع وصور الوحي.
(٤) كتاب الشفا للقاضي عياض، ٢/ ٧٢٦.
(٥) المرجع السابق: ٢/ ٧٢٩ فما فوقها.
(٦) انظر: لوامع الأنوار البهية للسفاريني، المجلد الأول، ص: ٤٩.