وأدلتهم (١):
١ - الواقع الفعلي لنزول القرآن الكريم على الرسول ﷺ وأنه نزل منجما مفرقا حسب الحوادث والوقائع على نحو من ثلاث وعشرين سنة.
٢ - قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦]، فصريح القرآن، وواقع نزوله يدل على تنجيمه وتفريقه.
٣ - أن الآيات الثلاث الواردة في وصف نزول القرآن المراد بها ابتداء نزول القرآن الكريم على الرسول ﷺ وأنه ابتدأ نزوله في ليلة القدر من شهر رمضان وهي الليلة المباركة وفي هذا جمع بين هذه الآيات وقوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦].
٤ - أن ما جاء من الآثار الدالة على نزول القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا وإن كانت صحيحة الإسناد فهي موقوفة على ابن عباس وغير متواترة. وهذه مسألة غيبية عقدية ولا يؤخذ في الغيبيات إلا بما تواتر يقينا في الكتاب والسنة فصحة الإسناد لا تكفي وحدها لوجوب اعتقاده. فكيف وقد نطق القرآن بخلافه.
وهذا القول قول قويّ، إلاّ أنّه يُردّ من أوجه ثلاثة:
الأوّل: أنّ أثر الشّعبي رحمه الله رواه عنه الطّبري (٢)، بإسناد ضعيف، ففيه:
أ- عمران أبو العوّام، وهو صدوق يهم (٣).
ب- وفيه عمرو بن عاصم الكلابي، فهو صدوق في حفظه شيء (٤).
الثّاني: أنّ الثّابت عن الشّعبي هو ما يوافق الجمهور، رواه عنه الطّبري بإسناد صحيح (٥).
الثّالث: أنّه مخالف لما ذكره ابن عبّاس رضي الله عنه، وأقوال الصّحابة هي الحجّة في كلّ باب عند انعدام النّصوص.
الرابع: كما يجاب على أدلة القول الثاني - على سبيل الإيجاز - بما يأتي:
١ - أن صفة نزول القرآن المباشر على الرسول ﷺ وكونه نزل عليه مفرقا، وكونه صريح قوله تعالى: ﴿وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث﴾ هو محل إجماع ولا خلاف حوله ولا يعارض النزول جملة.
٢ - القول بأن المراد بالآيات الثلاث من سور البقرة، والدخان، والقدر، هو ابتداء النزول؛ هو صرف لها عن ظاهرها بغير صارف ويجعلها تحتاج إلى تقدير محذوف.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ٢٤/ ٥٣١.
(٣) كما في "التّقريب" (٢/ ٨٣).
(٤) كما في "التّقريب" (٢/ ٧٢).
(٥) انظر: تفسير الطبري (٢٨٢٠): ص ٣/ ٤٤٧، و: ص ٢٤/ ٥٣٢، ولفظه: " "بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا". كما عد السخاوي في جمال القراء: ١/ ٢٠، الشعبي من القائلين بالقول الأول مع ابن عباس وابن جبير.