وما جاء أنها نزلت ليلة جمع مراد بها عشية عرفة لأن النبي - ﷺ - دفع بعد المغيب، كما جاء في الحديث: " فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ " (١). والله أعلم.
ثالثاً: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ من سورة المائدة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - ﷺ - يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (٦٧)﴾ [المائدة: ٦٧]، فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ - ﷺ - رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ " (٢).
فهذه الرواية وإن لم تنص على وقت النزول ولكن يفهم من دلالات النص أنها نزلت ليلاً؛ لأن النبي - ﷺ - كان يحرس ليلاً، قال السيوطي: "فأخرج رأسه من القبة فقال: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله. في هذا الحديث دليل على أنها ـ أي الآية ـ ليلية نزلت ليلا فراشية - والرسول في فراشه " (٣).
رابعاً: سورة الأنعام:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما -قال: " نزلتْ سورةُ الأنعامِ بمكةَ ليلا جملةً، حولَها سبعونَ ألفَ مَلَكٍ يجأَرون بالتسبيحِ " (٤)،
فإن صحت هذه الرواية تكون نزلت هذه السورة جملة ليلاً. والله أعلم.
خامساً: سورة مريم:
روى الطبراني عن أبي مريم الغساني قال: أتيت رسول الله - ﷺ - فقلت: ولدت لي الليلة جارية فقال: " والليلة نزلت عليّ سورة مريم سمها مريم " (٥) فالحديث ضعيف لم يصح في سنده، ولذا لم يثبت في وقت نزولها شيء.

(١) أخرجه مسلم في كتاب: الحج، باب: حجة النبي - ﷺ - ح رقم ٣٠٠٩.
(٢) أخرجه الترمذي ح رقم ٣٠٤٦، وقال: حديث غريب، والبيهقي في السنن الكبرى ح رقم ١٨١٨٦، والحاكم في المستدرك ح رقم ٣٢٢١، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعلق الذهبي في التلخيص: صحيح، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
(٣) تفسير الجلالين (٢/ ٣٣٣)، ولباب النقول في أسباب النزول للسيوطي (١/ ٨٢).
(٤) أخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن ص ١٢٩ ح رقم ٣٧٢، والطبراني في المعجم الكبير ح رقم ١٢٩٣٠، ورواه ابن الضريس في فضائل القرآن ص ١٥٧، والسيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (٣/ ٢٤٣) وزاد نسبته لابن مردويه، وابن كثير في تفسيره (٣/ ٢٣٧) وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف كما في التقريب ص ٦٩٦ برقم ٤٧٦٨، وله شاهد من حديث ابن عمر وأنس رضي الله عنهم أخرجهما الطبراني في الصغير (١/ ٨١) والأوسط كما في مجمع البحرين (٦/ ٢٢) ح رقم ٣٣١٦، ٣٣١٧، وضعف الهيثمي في الزوائد إسناده حيث قال: رواه الطبراني في الصغير وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو ضعيف جدا (٧/ ٢٠)، وقد جاء في الضعفاء الكبير للعقيلي (٩/ ٤٢٢) قال البخاري: يوسف بن عطية منكر الحديث، وقال محققو كتاب الإتقان في مركز الدراسات القرآنية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية: " ولعله يتقوى بشواهده، وانظر شواهده في مجمع الزوائد (٧/ ١٩، ٢٠) من حديث ابن عمر وأنس وأسماء بنت يزيد مع بعض الاختلاف".
(٥) رواه الطبراني في المعجم الكبير ح رقم ٨٣٤ وهو ضعيف جدا مداره على سليمان بن سلمة الخبائري، متروك كما في المغني في الضعفاء للذهبي (١/ ٢٨٠) وبه ضعفه الهيثمي في المجمع (٨/ ٥٥)، وفيه أيضاً: أبو بكر بن أبي مريم ضعيف كما في التقريب ص ١١١٦ برقم ٨٠٣١. وانظر: الإتقان للسيوطي (١/ ١٤٢).


الصفحة التالية
Icon