بموته صلى الله عليه وسلم» (١)، وبهذا يفسر ما روي عن زيد بن ثابت قال: «قبض النبي ﷺ ولم يكن القرآن جمع في شيء» (٢).
وقال الخطابي: " إنما لم يجمع ﷺ القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة (٣) فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر " (٤).
خلاصة القول أن الهدف من الجمع الأول كان هو حفظ القرآن واستظهاره خشية أن يفلت منه شيء، قال تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤].
جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
بعد وفاة النبي ﷺ واستقرار نصوص الوحي دعت الضرورة إلى كتابة القرآن الكريم وترتيبه بمحضر من حفظته لاسيما بعد استشهاد كثير من حملته وظهور حركة الردة من جهة، ومن جهة أخرى دخول الناس في دين الله أفواجا وهم لا يعرفون من القرآن شيئا.
وبعد أن استحر القتل بالقراء في معركة اليمامة وخشية أن يضيع القرآن أو يلتبس الأمر على المسلمين في شأن من آياته أشار عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على الخليفة أبو بكر الصديق بجمع القرآن وكتابته خشية الضياع، فتردد أبو بكر في قبول ذلك خشية أن يفعل شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ وبعد تردد شرح الله صدره لذلك، فكلف زيد بن ثابت -وهو ممن شهد العرضة الأخيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم- بجمع القرآن ولا يخفى ما في هذا التكليف من مشقة قال زيد " والله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان علي أتقل مما أمرت به من جمع القرآن " (٥).
ويتجلى جمع أبي بكر في جمع الوثائق التي كتبها كتبة الوحي في حضرة رسول الله، بمعنى تنسيق وثائق كل سورة مرتبة آياتها على نسق نزولها، ولا معنى لهذا الجمع الاما تم ذكره، وإطلاق وصف المصحف عليه إطلاق مجازي القصد منه أن يكون مرجعا موثوقا به عند اختلاف الحفاظ.
ومما يجب التنبيه إليه أن الجمع في هذه المرحلة لم يضف شيئا أو يحذفه من تلك الوثائق الخطية التي تم تدوينها في حياة النبي ﷺ وإملاء منه على كتبة وحيه الأمناء الصادقين.
وكان عمل الصديق رضي الله عنه محل إكبار الصحابة كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه " أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله " (٦).
(٢) المصدر نفسه والصحيفة نفسها.
(٣) (إشارة إلى قوله عز وجل: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ".
(٤) مباحث في علوم القرآن ص ١٢٥.
(٥) مباحث في علوم القرآن ص ١٢٧.
(٦) www.al-islam.com/articles/articles.asp؟ fname=ALISLAM_L ١١_A