جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه اتسعت رقعة الدولة الإسلامية وامتد سلطانها واختلطت شعوبها، وتداخلت لغاتها وأخذ كل إقليم يلتفت حول صحابي ليعلمه القرآن، فكان من الطبيعي أن تتعدد القراءات وتتباعد اللهجات ويقع الاختلاف في القرآن خاصة في وجود مصاحف الصحابة التي لم يمكن ترتيبها وضبط تلاوتها ورسمها لتباعد الأمصار الإسلامية عن المدينة، وخشي بعض الصحابة أن تتسع دائرة الخلاف فطلبوا من الخليفة أن يوحد الناس على مصحف واحد قال حذيفة ابن اليمان لعثمان: " يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى " (١).
فأدرك عثمان عظم الأمر وقال للصحابة، اجتمعوا يا أصحاب محمد واكتبوا للناس إماما. فأرسل إلى حفصة أن إرسل إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأمر طائفة من الصحابة (كزيد بن ثابت، عبد الله بن الزبير، سعيد بن العاص... ) فنسخوها في المصاحف وقام عثمان بإرسال نسخ منها إلى كل الأمصار (٢).
واتفق الصحابة رضي الله عنهم على هذا العمل وعدوه من مفاخر عثمان وحسناته، من ذلك قول الإمام علي -رضي الله عنه- " لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا على ملإ منا " (٣).
وكان هدف عثمان من هذا الجمع هو توحيد الأمة على القراءات الصحيحة التي قرأها النبي عليه الصلاة والسلام في العرضة الأخيرة على جبريل، وهذا ما يؤكده الباقلاني من أن ما قصد عثمان هو جمع المسلمين على القراءات الثابتة المعروفة وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير (٤).
وهكذا عمل الخليفة عثمان على " حمل الناس على القراءة بوجه واحد، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات " (٥).
وبهذا قطع عثمان دائرة الفتنة وحسم مصدر الاختلاف، وحض القرآن من أن يتطرق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مر العصور وتعاقب الأزمان.
رابعا: - المكي والمدني
للعلماء في معنى المكي والمدني ثلاثة اصطلاحات (٦):
الاصطلاح الأول: باعتبار المكان:
إن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة، ويرد على هذا التعريف أنه غير ضابط ولا حاصر، لأنه يشمل ما نزل بغير مكة والمدينة وضواحيها، كقوله
(٢) أنظر مباحث في علوم القرآن لمناع القطان وصبحي الصالحي، والإتقان للسيوطي.
(٣) www.al-islam.com/articles/articles.asp؟ fname=ALISLAM_L ١١_A
(٤) أنظر: إعجاز القرآن للباقلاني.
(٥) أنظر: مباحث في علوم القرآن ص ١٢٩ - ١٣٠.
(٦) انظر: هذه الآراء بالتفصيل في الإتقان للسيوطي - ج ١ ص ٦ وما بعدها، البرهان للزركشي - ج ٢ ص ٢٤٤ - ٢٤٥، مناهل العرفان للزرقاني - ج ١ ص ١٩٣ - ١٩٤، المدخل لدراسة القرآن لأبي شهبة - ص ٢٢١ - ٢٢٢