تعالى: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوك... َ﴾ [التوبة: ٤٢]، فإنها نزلت بتبوك، وقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا... ﴾ [الزخرف: ٤٥]، نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء.
الاصطلاح الثاني: باعتبار المخاطب:
أن المكي ما وقع خطاباً لأهل مكة، والمدني ما وقع خطاباً لأهل المدينة، ويحمل على هذا ما نقل عن ابن مسعود أنه قال: "ما كان في القرآن (يا أيها الذين آمنوا) أنزل بالمدينة أي مدني، وما كان من القرآن بلفظ (يا أيها الناس) و (يا بني آدم) فهو مكي، وذلك أن الإيمان كان غالباً على أهل المدينة، فخوطبوا بيا أيها الذين آمنوا، وكذلك خطاب الكافرين بيا أيها الناس، لأن الكفر كان غالباً على أهل مكة.
وهذا التقسيم لوحظ فيه المخاطبون، لكنه غير ضابط ولا حاصر لجميع آيات القرآن الكريم لأمرين: -
الأمر الأول: إنه يوجد آيات مدنية صُدِّرت بصيغة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ مثل ما جاء في سورة النساء التي اتفق على أنها مدنية، ولكنها تبدأ بـ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ [النساء: ١]، وكذلك هناك آيات مكية صدرت بصيغة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: ١]، وكذلك سورة البقرة مدنية وفيها ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ... ﴾ [البقرة: ٢١]، وأيضاً ما جاء في سورة الحج المكية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا... ﴾ [الحج: ٧٧].
الأمر الثاني: يوجد سور كثيرة في القرآن الكريم ليس فيها الخطاب بـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ و ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ فعلى هذا الاعتبار فهي غير مكية ولا مدنية، مثال قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ... ﴾ [الأحزاب: ١]، وقوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقين: ١].
وعلى هذا فإن هذا التقسيم غير ضابط ولا حاصر.
الاصطلاح الثالث: باعتبار زمن النزول:
وهو ما عليه جمهور العلماء أن المكي ما نزل قبل هجرة الرسول؟ إلى المدينة، وإن كان نزوله بغير مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان نزوله بمكة.
وهذا التقسيم كما ترى لوحظ فيه زمن النزول، هو تقسيم صحيح سليم لأنه ضابط حاصر لجميع آيات القرآن الكريم.
الطريق إلى معرفة المكي والمدني:
لقد اعتمد العلماء في معرفة المكي والمدني على منهجين هما: -
المنهج الأول: السماعي النقلي:
العمدة في معرفة المكي والمدني النقل الصحيح عن الصحابة - رضي الله عنهم - الذين شاهدوا أحوال الوحي والتنزيل، والتابعين الآخذين عنهم، ولم يرد عن النبي؟ في ذلك قول، ويؤيد ذلك ما نقله السيوطي عن القاضي أبي بكر في الانتصار حيث قال: "إنما يُرجع في معرفة المكي والمدني إلى حفظ الصحابة والتابعين ولم يرد عن النبي؟ في ذلك قول، لأنه لم يؤمر به، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة وإن وجب في بعض أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، وقد يعرف ذلك بغير نص عن الرسول؟ " (١).

(١) الإتقان للسيوطي - ج ١ ص ١٦.


الصفحة التالية
Icon