وقد اشتهر بمعرفة المكي والمدني من الصحابة - رضي الله عنهم - عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه" (١).
المنهج الثاني: القياس الاجتهادي:
عرفنا فيما مضى أن مرد العلم بالمكي والمدني هو السماع عن طريق الصحابة والتابعين، ولكن هناك علامات وضوابط ومميزات وضعها العلماء يُعرف بها المكي والمدني هي: -
أولاً: ضوابط القرآن المكي هي (٢):
١ - كل سورة فيها لفظ (كلا) وقد ذكر هذا اللفظ في القرآن ثلاثاً وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة، كلها في النصف الأخير من القرآن، قال العماني: "وحكمة ذلك إن نصف القرآن الأخير نزل أكثره بمكة وأكثرها جبابرة، فتكررت فيه على وجه التهديد والتعنيف لهم والإنكار عليهم، بخلال النصف الأول، وما نزل منه في اليهود لم يحتج إلى إيرادها فيه، لذلتهم وضعفهم" (٣).
٢ - كل سورة في أولها حرف تهجي غير سورة البقرة وآل عمران فهما مدنيتان.
٣ - كل سورة فيها سجدة أو مبدوءة بقسم.
٤ - كل سورة فيها تفصيل لقصص الأنبياء وللأمم الغابرة فهي مكية سوى البقرة، وفيها ذكر - تعالى - تلك القصص لأخذ العبرة والعظة بسنته - تعالى - في هلاك أهل الكفر والطغيان وانتصار أهل الإيمان.
٥ - كل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية سوى البقرة.
ثانياً: مميزات القرآن المكي:
١ - الدعوة إلى أصول الإيمان الاعتقادية من الإيمان بالله واليوم الآخر وما فيه من البعث والحشر والجزاء، والإيمان بالرسالة، وذلك لأن أهل مكة كانوا منغمسين في الشرك والوثنية، كذلك ناقشهم بالأدلة العقلية والكونية في عقائدهم الضالة.
٢ - محاجة المشركين ومجادلتهم وإقامة الحجة عليهم في بطلان عبادتهم للأصنام، وبيان أنها لا تنفع ولا تضر.
٣ - إنه تحدث عن عاداتهم القبيحة، كالقتل وسفك الدماء، ووأد البنات واستباحة الأعراض، وأكل مال اليتيم، للفت أنظارهم إلى ما في ذلك من أخطار.
٤ - الدعوة إلى أصول التشريعات العامة والآداب والعقائد الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولا سيما التي يتعلق منها بحفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسب، وأيضاً أمرهم بالصدق والعفاف وبر الوالدين وصلة الرحم والعفو والعدل وغير ذلك.
(٢) الإتقان للسيوطي - ج ١ ص ٩ بتصرف، وانظر بالتفصيل مناهل العرفان للزرقاني ج ١ ص ٢٠٢، ٢٠٣.
(٣) نقلا عن: مناهل العرفان للزرقاني ج ١ ص ٢٠٢.